ماحكم لقطة الحرمين وكيف يتعامل معها؟
كيف نتعامل مع لقطة الحرمين؟
السؤال: 457769
ملخص الجواب
من وجد لقطة ذات قيمة في الحرم المكي؛ فعليه أن يسلمها لجهات الاختصاص بالمفقودات، وبهذا تبرأ ذمته؛ فهم وكلاء عنه في التعريف، وأما حرم المدينة: فله أن يعرِّفها لمدة سنة إن كان يقوى على ذلك ثم يجوز له تملكها، أو يسلمها لجهات الاختصاص بالمفقودات.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
اللقطة في مكة نوعان:
1-ما كان شيئا حقيرا لا تتبعه همة أوساط الناس، كخمسين ريالا ونحوها، فهذه لواجدها أخذها دون تعريف.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "اللقطة الحقيرة لا قيمة لها، إن عرفها فلا بأس، وإن أكلها فلا بأس، وإن تصدق بها فلا بأس؛ لأنها حقيرة ما تتحمل التعريف، العشرة والعشرين والثلاثين أو ما أشبه ذلك، هذه اللقطة اليوم ليس لها أهمية فإن تصدق بها عن صاحبها فلا بأس، وإن استعملها فلا بأس، وإن تركها فلا بأس، والحذاء كذلك أمرها سهل إذا كانت رميت في محلات لا يُرغب فيها" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (19/441).
2-ما له قيمة، فهذه يلزم تعريفها أبدا، ولا يحل تملكها بعد سنة كما تحل في سائر البلدان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ) رواه البخاري (2434)، ومسلم (1355) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ومعنى ( سَاقِطَتُهَا ) أي ما يسقط من صاحبه من مال ويضيع منه .
قال النووي رحمه الله : " وَفِي رِوَايَة : (لَا تَحِلّ لُقَطَتهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ) الْمُنْشِد: هُوَ الْمُعَرِّف، وَمَعْنَى الْحَدِيث: لَا تَحِلّ لُقَطَتهَا لِمَنْ يُرِيد أَنْ يُعَرِّفهَا سَنَة ثُمَّ يَتَمَلَّكهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَاد، بَلْ لَا تَحِلّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفهَا أَبَدًا، وَلَا يَتَمَلَّكهَا " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذا من خصائص مكة.
والفرق بينها وبين سائر الآفاق في ذلك: أن الناس يتفرقون عنها إلى الأقطار المختلفة، فلا يتمكن صاحب الضالة من طلبها والسؤال عنها؛ بخلاف غيرها من البلاد" انتهى نقلا عن " زاد المعاد" (3/398).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والصحيح: أن لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد يريد أن يعرِّفها مدى الدهر؛ وذلك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد)، وهذا من خصائص الحرم.
والحكمة في ذلك أنه إذا علم الإنسان أنه لا يحل له التقاط لقطة الحرم إلا إذا كان مستعداً لإنشادها دائماً فإنه سوف يدعها، وإذا كان هذا يدعها والآخر يدعها ومَنْ بَعده يدعها، بقيت في مكانها حتى يجدها ربها، وهذا ـ أعني القول بأن لقطة مكة ليست كغيرها ـ هو القول الراجح، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رضي الله عنه ـ وعليه يدل الحديث" انتهى من "الشرح الممتع" (10/367).
ثانيا:
أما لقطة المدينة، فالجمهور على أنها كاللقطة في سائر البلدان غير مكة، فتملك بعد التعريف سنة.
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله: (فَرْعٌ: لَا يَلْتَقِطُ أَحَدٌ بِحَرَمِ مَكَّةَ لُقَطَةً إلَّا لِلْحِفْظِ؛ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ (إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدٍ) أَيْ لِمُعَرِّفٍ عَلَى الدَّوَامِ ، وَإِلَّا فَسَائِرُ الْبِلَادِ كَذَلِكَ فَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ …
وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ: حَرَمُ الْمَدِينَةِ؛ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ". انتهى من "أسنى المطالب" للشيخ زكريا الأنصاري (2/494).
وقال الخطيب الشربيني : "وَخرج بحرم مَكَّة: حرم الْمَدِينَة الشَّرِيفَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ كحرم مَكَّة ؛ بل هِيَ كَسَائِر الْبِلَاد كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَام الْجُمْهُور" انتهى من "الإقناع" (2/375)، وينظر أيضا: "مغني المحتاج" (3/569) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن اللقطة في المسجد النبوي.
"وجدت سواراً من الذهب في المسجد النبوي الشريف في شهر رمضان وأخذته وعرضته للبيع وكان سعره ما يقارب من أربعمائة وعشرين ريالاً تصدقت بجزء منه وأخذت الباقي فما حكم الشرع في نظركم في عملي هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل خطأ، لأنه الواجب على من وجد لقطة أن يعرفها يعرف نوعها وصفتها وجميع ما يحتاج إلى تعريفه ثم ينشدها لمدة سنة كاملة ليعرف صاحبها فإن جاء صاحبها فذاك وإلا فهي له، ولا يحل له أن يتصرف فيها أو يتملكها قبل تمام السنة" انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (16/ 2 بترقيم الشاملة).
ثالثاً:
التصرف عند وجود اللقطة في الحرم المكي والمدني
سبق بيان أن من وجد لقطة ذات قيمة في الحرم المكي لزمه أن يعرفها أبد الدهر، وهذا يشق على الإنسان، وإن تركها في مكانها، فيغلب على الظن ضياعها مطلقاً، فعليه أن يسلمها لجهات الاختصاص بالمفقودات، فهم وكلاء عنه في التعريف، حيث يذهب الناس إلى تلك الجهة للبحث عن مفقوداتهم، وبهذا تبرأ ذمته.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فإن الإنسان إذا وجد لقطة بمكة فإما أن يعرفها دائما حتى يجدها ربها وإما أن يدفعها إلى المسؤولين عن الضائع وإذا دفعها إليهم فقد برئت ذمته وقد رتب للُّقطِ التي حول الحرم رتب أناس يستقبلون هذه اللقط ويسمون فيما أظن لجنة حفظ الضائع أو كلمة نحوها" انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (16/ 2 بترقيم الشاملة).
واما حرم المدينة فهو بخير النظرين: إما أن يعرفها سنه إن كان يقوى على ذلك، ثم يجوز له تملكها، وإما أن يسلمها لجهات الاختصاص بالمفقودات فهم وكلاء عنه في التعريف.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب