هل ثواب الصلاة في الروضة الشريفة أفضل من أي مكان في المسجد النبوي؟
هل للصلاة في الروضة فضل عن سائر المسجد النبوي؟
السؤال: 457818
ملخص الجواب
مَن صلى في أي مكان في المسجد النبوي كانت صلاته أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، سواء صلى في الروضة أو غيرها، لكن يُستحب الإكثار من الصلاة في الروضة الشريفة دون إيذاء أو مزاحمة، وصلاة النفل فيها أفضل من غيرها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الروضة الشريفة هي المكان الواقع بين بيت النبي صلى الله عليه ومنبره.
وقد جاء في فضلها أحاديث:
1-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ المَازِنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ). روى البخاري (1195)، ومسلم (1390)
2- عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) رواه البخاري (1196) ومسلم (502).
وفي لفظ: (إِنَّ مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ، وَمَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَحُجْرَتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) رواه أحمد (9338) وصححه شعيب الأرنؤوط.
قال ابن الأثير في “النهاية” (1/187): “الترعة في الأصل الروضة على المكان المرتفع خاصة. فإذا كانت فوق المطمئن فهي روضة، قال القتيبي: معناه أن الصلاة والذكر في هذا الموضع يؤديان إلى الجنة، فكأنه قطعة منها ” انتهى.
ثانيا:
اختلف في معنى كون هذه البقعة روضة من رياض الجنة.
قال النوويّ رحمه اللهُ: “ذكروا في معناه قولين:
أحدهما: أن ذلك الموضع بعينه يُنقل إلى الجنة.
والثاني: أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة”. انتهى من “شرح مسلم” (9/ 161).
وقال الحافظ ابن حجر في “الفتح” (4/100): “قوله: (روضة من رياض الجنّة):
– أي: كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة، وحصول السعادة بما يَحصُل من ملازمة حِلَق الذِّكر، لا سيّما في عهده صلى الله عليه وسلم، فيكون تشبيهًا بغير أداة.
-أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة، فيكون مجازًا.
-أو هو على ظاهره، وأن المراد أنه روضة حقيقةً، بأن يُنتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة.
هذا مُحَصل ما أوّله العلماء في هذا الحديث، وهي على ترتيبها هذا في القوّة.
وأما قوله (ومنبري على حوضي) أي ينقل يوم القيامة فينصب على الحوض” انتهى.
ثالثا:
تستحب الصلاة في الروضة الشريفة؛ لما سبق أن العبادة فيها توصل إلى الجنة.
قال ابن بطال رحمه الله تعالى: “وإنما عنى صلى الله عليه وسلم أن ذلك الموضع للمصلي فيه والذاكر الله عنده والعامل بطاعته كالعامل فى روضة من رياض الجنة، وأن ذلك يقود إلى الجنة” انتهى من “شرح صحيح البخاري” (3/184).
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى الصلاة عند أسطوانة فيها.
فعن يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: “كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ المُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ”.
قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَهَا. رواه البخاري (502)، ومسلم (509) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ” والأسطوانة: السارية، وهذه الأسطوانة الظاهر أنها من أسطوان المسجد القديم الَّذِي يسمى الروضة، وفي الروضة أسطوانتان، كل منهما يقال: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي إليها:
1-الأسطوانة المخلّقة، وتعرف بأسطوانة المهاجرين؛ لأن أكابرهم كانوا يجلسون إليها ويصلون عندها، وتسمى: أسطوان عائشة.
ويقال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى إليها المكتوبة بعد تحويل القبلة بضع عشرة يوما، ثم تقدم إلى مصلاه اليوم.
وهي الأسطوانة الثالثة من المنبر، والثالثة من القبلة، والثالثة من القبر الشريف، وهي متوسطة في الروضة.
2-وأسطوانة التوبة، وهي التي ربط فيها أبو لبابة نفسه حتى تاب الله عليه.
وقد قيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا اعتكف في رمضان طُرح له فراشه، ووضع سريره وراءها.
وقد روي عن عمر مولى غفرة ومحمد بن كعب، أن أكثر نوافل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت عندها.
وهي الأسطوانة الثانية من القبر الشريف، والثالثة من القبلة، والرابعة من المنبر” انتهى من “فتح الباري” لابن رجب (4/ 49).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “والأسطوانة المذكورة حقّق لنا بعض مشايخنا أنها المتوسّطة في الروضة المكرمة، وأنها تُعرف بأسطوانة المهاجرين، قال: وروي عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها كانت تقول: “لو عَرَفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام”، وأنها أسرّتها إلى ابن الزبير، فكان يُكثر الصلاة عندها.
قال: ثم وجدت ذلك في تاريخ المدينة لابن النجّار، وزاد: أن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها”، وذكره قبله محمد بن الحسن في أخبار المدينة” انتهى من “فتح الباري” لابن حجر (1/577).
ولهذا صرح جماعة من أهل العلم باستحباب الإكثار من الصلاة في الروضة الشريفة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ” ويستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة؛ لما سبق من الحديث الصحيح في فضلها، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة” انتهى من “فتاوى ابن باز” (16/103).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” وينبغي أن يتحرى الصلاة في الروضة إن تيسر له من أجل فضيلتها، وإن لم يتيسر له صلى في أي جهة من المسجد تتيسر له، وهذا في غير صلاة الجماعة، أما في صلاة الجماعة فليحافظ على الصف الأول الذي يلي الإمام لأنه أفضل” انتهى من “فتاوى ابن عثيمين” (24/ 344).
رابعا:
هذا الفضل خاص بالمتنفل والمتطوع، أما في صلاة الجماعة فالصفوف الأولى أفضل، ولو كانت الروضة خلفه، وهذا هو الهدي العملي الذي فعله الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام.
روى البخاري (615)، ومسلم (437) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ).
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى معلقا على حديث الروضة: “وهذا يدل على فضل الروضة؛ فيشرع أن يصلي ويذكر الله، ولكن لا يبقى فيها وقت الصلاة ويترك الصفوف المقدمة ” انتهى من “الحلل الإبريزية” (1/360).
خامسا:
أما أجر المضاعفة بألف صلاة التي جاء ذكرها في قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام) البخاري (1133)، فلا يختص بالروضة الشريفة، بل يشمل جميع المسجد النبوي.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “والمسجد النبوي حكمه واحد في الثواب، حتى التوسعات التي طرأت عليه حكمها حكم الأصل في الثواب” انتهى من “مجموع فتاوى ابن عثيمين (23/422).
وعليه: فمن صلى في أي مكان في المسجد النبوي كانت صلاته بألف صلاة سواء في الروضة أو في غيرها، ومن تقصد الروضة رجاء فضيلة المكان لصلاة النافلة أو الدعاء والذكر فحسن، دون إيذاء أو مزاحمة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب