التعليق على ما انتشر في المنتديات باسم ” وصية إبليس قبل اعتقاله “
السؤال: 46131
انتشر في كثير من المنتديات ما عرف باسم ” رسالة إبليس ” ، وهي مذيلة باسمه ! وفيها خطابات للناس ولشياطين الإنس ، فنرجو النظر فيها والتعليق عليها .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قد وقفنا على تلك النشرة ، ورأيناها في كثير من المنتديات ،
وتعرف باسم ” وصية إبليس ” أو ” وصيتي قبل الاعتقال ” أو ” رسالة إبليس ” وهي
مذكورة على لسان الشيطان يخاطب فيها الناس قبل تصفيده في رمضان ، ويحث فيها شياطين
الإنس على القيام بمهماته ، وسنذكر نص هذه الرسالة ، وما يتيسر من التعليق عليها .
نص الرسالة :
” يقول إبليس في الرسالة : أبعث إليكم بأشواقي وتحياتي قبل
سويعات من الاعتقال الذي تأكد لي خبره وطار أمره .
ثلاثون يوماً بعيداً عنكم بعد أن كنت معكم على مدار العام ، ولعل
عزائي أن فيكم من سيعوض غيابي ويسد فراغي من اللئام .
لا يخفاكم ما حدث في رمضان الماضي ، فعلى الرغم من كل الجهود
الذي بذلتها معكم ،
وكل الأفكار التي صببتها في آذانكم : فقد رأينا الملايين من كل
مكان يرتادون المساجد ،
والملايين يرتدين الحجاب ، وكنت أنا وقتها في معتقلي أكتوي بنار
الغضب .
فهذا جهدُ عامٍ مع تلك الفتاة الضائعة يضيع في ليلة القدر ، وهذا
الذي ما تركت كبيرة إلا وأوقعته فيها تنزل من عينه دمعة تطفئ غضب الرب عليه ، وتفتح
باب التوبة إليه .
يا شياطين الإنس : في خضم غياب فارسكم أمامكم دور كبير ، فافعلوا
ما تؤمرون ، أريدهم في رمضان لا يعرفون سوى السهر حتى الصباح في الخيام الرمضانية ،
والنوم حتى موعد وجبة الإفطار الشهية حتى تمتلأ بطونهم وكروشهم
المتدليّة ،
ثم أتموا عليهم بنعمة البرامج التلفزيونية ، نريد رقصا ، نريد
هجصا ،
نريد شهوة ، نريد نزوة ، نريد أفكاراً إبليسية ، ولا تنسوا حتى
تكتمل التمثيلية : اختموا بثَّكم بالتلاوات القرآنية !
يا شياطين الإنس : أكثروا من اللقاءات مع الفنانات والراقصات ،
وكل جميلة فتيّة ليحدثوهم عن روحانية رمضان وما يقمن به من نضال على عتبات المسارح
والمراقص الهرمية ،
نريد الجميع أن يتحدث عن ذلك المسلسل اليومي ، والفيلم الأسبوعي
، والمسرحية النصف شهرية ، نريد مباريات كروية ، وأغان عربية ، وقنوات فضائية ، لا
أريد أن أرى أحدكم يتوقف ولو لثانية ، فكما تعلمون وقتنا غال وأهدافنا دنيّة .
يا شياطين الإنس : أتريدون لهم أن يدخلوا الجنة التي حُرمنا حتى
من شم رائحتها النديّة ؟
أتريدون أن تمرَّ عليهم لحظات توبة فيضيع كل ما بذلناه في عشرات
السنين الضنيّة ، أما حذرتكم أن من أدرك منهم ليلة القدر غفر له كل ماضيه والبقية ،
لا وألف لا ، خبتم وخسرتم إذا فعلتم .
ستستبدلون بغيركم أيها الأباليس الغثائية ، ألا تريدون للجحيم
سكاناً ؟ وللدرك الأسفل رعيّة ؟ أما من أحباب لسقر والشجرة الزقومية ؟ أين قلوبكم
الميتة ؟ وعقولكم الشيطانية ؟
أما أنت يا حواء : فدورك في الأمة فعّال ، فأنت أقوى مخدّر
للرجال ، أعلق عليك الآمال ، فأنت الجواب لكل سؤال ، نريد سهرة ، نريد رقصة وضحكة ،
نريدها – باختصار – إثارة ومتعة ، اطرحي التراويح جانبا ، وانسَيْ ثواب القائمة ،
ألا يكفي يا حبيبتي أنك صائمة ؟!
يا بني آدم أجمعين : اسمعوا لي فما أنا لكم إلا ناصح أمين ، لا
تهتموا في رمضان إلا بكل لذيذ سمين ، ولتنسوا الصلاة لرب العالمين ، وإياكم وقراءة
آيات الذكر الحكيم ؛ فإنه المنكر الأثيم في منطق سكان الجحيم ، رمضان سيتكرر سنين
بعد سنين فتوبوا حينها لرب غفور رحيم ، أما الآن فامضوا وقتكم تسبحون بحمد بوش
وبنيامين عليهم رحمة الأبالسة أجمعين .
التوقيع : إبليس اللعين ” .
ولنا على هذه الرسالة ملاحظات ، ومنها :
1. أنها طريقة مبتدعة في الدعوة والوعظ ، فيمكن للداعية والواعظ
أن يوصل رسائل للعصاة لترك معاصيهم ، وللطائعين للازدياد من طاعاتهم بغير تلك
الرسالة السمجة الهزلية ، التي حويت أصنافا من الجهل والتكلف والهزل .
2. أن هذه الطريقة في الوعظ والتذكير تفتح الباب للكلام على لسان
غير إبليس كالملائكة أو الأنبياء أو الشهداء أو الدجال أو الجنة أو النار وغيرها ،
وهو مما يجعل الأمر فوضى ، ويفتح الباب لكل عابث بتوجيه تلك الرسائل على لسان من
يشاء ، فتنقلب الدعوة إلى مباريات كتابية خيالية ، ويصير الوعظ تنافساً في اختيار
الشخصية التي يتكلمون بلسان حالها .
3. ونحن نجزم أن كاتبها ليس عالما ولا طالب علم ، ولم نرَ هذه
الرسالة إلا في منتديات يرتادها العامة ، ومن شروط الدعوة إلى الله أن يكون المتكلم
صاحب علم يعرف ما يقول لأنه يوقع عن رب العالمين ، ويتكلم باسم الدين ، فلا يجوز أن
يكون هذا المجال لكل صاحب خيال واسع .
4. وهذه الرسالة ليس فيها آية ولا حديث ، ففيها صرف الناس عن
الوعظ بالقرآن ، وكأن الشرع المطهَّر ليس فيه ما يُخاطب به الناس من القوارع
والزلازل من الآيات البينات والأحاديث الصحيحة الواضحات ، والأحكام الشرعية
البيِّنة .
5. وفي الرسالة تعظيم للشيطان ؛ حيث جُعل هو المتكلم والناس
تستمع وتنقل رسائله المذيلة بتوقيعه ! ولا شك أن في هذا تشريفاً لذلك المطرود من
رحمة الله ، والذي شأنه أحقر من أن يكون صاحب رسائل ينقلها المسلمون في منتدياتهم
وجوالاتهم ، ويمكن لأحد الدعاة أو طلبة العلم أن يكتب رسالة يوضح فيها حال الشيطان
مع العصاة ، وحاله مع العبَّاد ، وأن يجعل بين الحالين مقارنة ، ويوضح ذلك بالآيات
والأحاديث دون أن يجعل المتكلم هو الشيطان ، ويكون بذلك أدَّى الغرض الذي من أجله
كُتبت هذه الرسالة .
6. وفي الرسالة جهل بالأحكام الشرعية ، وافتراء على الشرع ، ومنه
قوله ” أما حذرتكم أن من أدرك منهم ليلة القدر غفر له كل ماضيه والبقية ” ، وفي هذه
الجملة جهل من وجهين : الأول : أن المعلوم أن مجرد إدراك ليلة القدر ليس فيه فضل ،
وقد نصَّ الحديث الصحيح على فضل من قام ليلة القدر ، لا من أدركها ، والثاني : أن
الفضل لمن قام ليلة القدر أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه دون ” البقية ” أي : ما تأخر
، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري (
1802 ) ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : وما تأخر .
7. وفي الرسالة بيان أن شياطين الجن جميعها تصفَّد وتسلسل ،
والظاهر أن الذي يصفَّد هو مردتهم ، كما جاء في بعض الروايات الصحيحة ، وقد بيَّنا
هذا في أجوبة كثيرة ، منها ( 39736
) و ( 12653 ) و (
14253 ) ، وفي بعض تلك الأجوبة أن
تصفيد أولئك المردة لا يعني عدم وسوستهم ، وهو ما يقضي على الرسالة من أصلها .
والخلاصة :
أننا لا نرى جواز نشر هذه الرسالة ؛ لما فيها من مخالفات للشرع ؛
ولما فيها من سماجة وهزلية ، ونرى أن مثل هذه الأساليب فيها صرف للناس عن القرآن
والسنة ، وأن نفعها المزعوم قد يتركز في الفكرة والأسلوب دون المعنى والمضمون .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة