أنا شاب عمري 17 عاما أعيش مع والدي وهو كبير في السن جاوز الستين عاما ومريض بعدة أمراض عضوية بالاضافة الي أنه مصاب بشبه اكتئاب منذ وفاة والدتي والحمد لله أحاول جاهدا أن أبره وأن أحسن اليه قدر المستطاع وفي معظم الأوقات أكون مطيعا له بارا به ولكن أحيانا قد تحدث مواقف تصدر منه دون وجه حق فقد أقول له مثلا أف أو أعبس في وجهه أو أكلمه بنبرة غضب وغالبا أو دائما ما يكون ما يصدر منه ويغضبني شئ فيه ضرر علي وعليه فمثلا كي تتضح الصورة يرفض أن يأخذ دوائه فأكلمه باللين والحسن فيضحك ويرفض أن يأخذه ويسعد اذا خفت عليه فأضطر لأرفع صوتي مثلا وأقول له أنت تريد أن نذهب للمستشفي فيسمع ويأخذه وأمثله أخري مثل تمنيه الموت في كل وقت حتي لما نكون في الأعياد ونحوه مما يضره ويضر من حوله فقد أقول له لا تقل مثل هذا مثلا وتكون نبرتي غاضبة ولا ألبث قليلا الا وأعتذر له وأصالحه حتي يرضي فسؤالي هو مما سبق هل يعد هذا عقوقا له ويعتبر كبيرة من الكبائر وموجبه لدخول النار كما جاء في الايات والاحاديث وهل لا يعتد بكل أفعالي السابقة له من بره ؟ أم أن هناك مراتب للعقوق وليس كل فعل لا يرضي الوالد يكون كبيرة ؟ أرجو الأجابة لأن الموضوع مسبب لي ضغط نفسي لأني أحاول جاهدا أن أبره ولا أقع في العقوق وهو كما ذكرت مريض وعنده اكتئاب ويحتاج معاملة خاصة ولكن قد يقع مني شئ من وقت لأخر فأحزن وأكتئب وأشعر أن كل جهدي قد ذهب هباءا وأني الأن واقع في كبيرة وسأدخل النار وجزاكم الله خيرا
ضابط العقوق الذي يعد من كبائر الذنوب
السؤال: 461774
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا يجوز نهر الأب، ولا رفع الصوت عليه، ولا الإغلاظ له في القول، ولا التأفف في وجهه؛ ولو كان ذلك لأمر فيه مصلحته كالتداوي، لقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23، 24
قال القرطبي في تفسيره (10/ 242): " قوله تعالى: (فلا تقل لهما أف) أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم…
قوله تعالى: (ولا تنهرهما) النهر: الزجر والغلظة.
(وقل لهما قولا كريما) أي : لينا لطيفا، مثل: يا أبتاه ويا أماه" انتهى.
ثانيا:
ضابط العقوق الذي هو كبيرة: كل قول أو فعل يتأذى منه الأب تأذيا ليس بالهين.
قال ابن الصلاح رحمه الله: "العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد أو نحوه، تأذيا ليس بالهين، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة" انتهى من فتاوى ابن الصلاح (1/ 201).
ونقل العيني عن تقي الدين السبكي قوله: "إن ضابط العقوق إيذاؤهما بأي نوع كان من أنواع الأذى، قل أو كثر، نَهَيَا عنه أو لم ينهيا، أو يخالفهما فيما يأمران أو ينهيان، بشرط انتفاء المعصية في الكل" انتهى من عمدة القاري شرح صحيح البخاري (22/ 86).
وقال الحافظ ابن حجر: " والعقوق … المراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده، من قول أو فعل، إلا في شرك أو معصية؛ ما لم يتعنت الوالد" انتهى من فتح الباري (10/ 406).
ومراده بتعنت الوالد: أن يأمر ابنه بشيء لا يحتاجه، ولا مصلحة له فيه، أو نحو ذلك؛ فلا يجب على الولد طاعته حينئذ، وإذا تأذى الوالد حينئذ: لم يكن الولد عاقا.
ولهذا قال ابن حجر الهيتمي: " وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه: يتعين على الولد امتثال أمره، إن تأذى أذى ليس بالهين إن لم يمتثل أمره.
ومحله أيضا حيث لم يقطع كل عاقل بأن ذلك من الأب مجرد حمق وقلة عقل؛ لأني أقيد حدّ بعض المتأخرين للعقوق بأن يفعل مع والده ما يتأذى به إيذاء ليس بالهين، بما إذا كان قد يُعذر عرفا بتأذيه به.
أما إذا كان تأذيه به لا يعذره أحد به، لإطباقهم على أنه إنما نشأ عن سوء خلق، وحِدَّة حمق، وقِلَّة عقل، فلا أثر لذلك التأذي؛ وإلا لوجب طلاق زوجته لو أمره به، ولم يقولوا به" انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 128).
فتحصل أن العقوق كل قول أو فعل يتأذى منه الوالد، ومخالفة أمره ونهيه إلا في المعصية، وفيما كان الحامل عليه الحمق والتعنت.
فاحذر التأفف والنهر، وتلطف مع والدك في إقناعه بأخذ الدواء، فإن أصر على تركه، فلا تُثَرب ولا تعنف، وليس التداوي واجبا، ولو كان واجبا ما حل لك زجره ونهره.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب