حدثني عن العهد بين عمر والنصارى في القدس، وهل يمكن حماية الكنائس؟ وهل الخبر أدناه صحيح؟
هل صالح عمر بن الخطاب نصارى القدس على حماية الكنائس وعدم هدمها؟
السؤال: 462512
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
هذا الخبر ذكره الطبري في “التاريخ” (3 / 603 — 609)، فقال رحمه الله تعالى:
” ذكر سيف، عن أبي عثمان وأبي حارثة، عن خالد وعبادة، قالا: …
صالح عمر أهل إيلياء بالجابية، وكتب لهم فيها الصلح لكل كورة كتابا واحدا، ما خلا أهل إيلياء.
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها… ” انتهى.
وهذا الخبر إسناده ضعيف جدا؛ لأن فيه:
سيف وهو ابن عمر التميمي الإخباري، وهو متروك الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” سيف بن عمر التّميمي الأسدي.
له تواليف، متروك باتّفاق، وقال ابن حبان: اتهمَ بالزندقة. قلت: أدرك التّابعين. وقد اتهم، قال ابن حبَان: يروي الموضوعات ” انتهى من “المغني” (1 / 292).
وأبو عثمان وأبو حارثة مجهولان.
ثانيا:
القدس من البلدان التي فتحت صلحا ، ولم تفتح بالقتال ، وكان بها النصارى، والبلاد التي تفتح بالصلح ، يتم الاتفاق مع أهلها على شروط الصلح بما يراه ولي الأمر المسلم محققا للمصلحة ، وتمام الصلح .
فيصح قبول اشتراط النصارى عدم هدم الكنائس القائمة عند الصلح.
كما روى أبو داود (3041) عن يونس بن بكَيرٍ، حدَّثنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ، وَالْبَقِيَّةُ فِي رَجَبٍ، يُؤَدُّونَهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعَارية ثَلَاثِينَ دِرْعًا، وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ، يَغْزُونَ بِهَا، وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ، إِنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ أَوْ غَدْرَةٌ عَلَى أَنْ لَا تُهْدَمَ لَهُمْ بِيْعَةٌ، وَلَا يُخْرَجَ لَهُمْ قَسٌّ، وَلَا يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ مَا لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثًا، أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبَا “.
وحسّن إسناده الشيخ شعيب في تحقيقه لـ “سنن أبي داود”.
وروى ابن أبي شيبة في “المصنف” (18 / 332)، وعبد الرزاق في “المصنف” (6 / 60)، وغيرهما: عن مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلِلْعَجَمِ أَنْ يُحْدِثُوا فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ بِنَاءً أَوْ بِيعَةً؟ [ وعند عبد الرزاق: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَتَخِذُوا الْكَنَائِسَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ ؟ ] فَقَالَ: ( أَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لِلْعَجَمِ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ بِنَاءً، أَوْ قَالَ: بِيعَةً، وَلَا يَضْرِبُوا فِيهِ نَاقُوسًا وَلَا يَشْرَبُوا فِيهِ خَمْرًا، وَلَا يَتَّخِذُوا فِيهِ خِنْزِيرًا أَوْ يُدْخِلُوا فِيهِ، وأَيُّمَا مِصْرٍ مَصَّرَتْهُ الْعَجَمُ، يَفْتَحُهُ اللَّهُ عَلَى الْعَرَبِ، وَنَزَلُوا يَعْنِي عَلَى حُكْمِهِمْ فَلِلْعَجَمِ مَا فِي عَهْدِهِمْ، وَلِلْعَجَمِ عَلَى الْعَرَبِ أَنْ يُوَفُّوا بِعَهْدِهِمْ وَلَا يُكَلِّفُوهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ ).
وعند عبد الرزاق: ” قَالَ: تَفْسِيرُ مَا مَصَّرَ الْمُسْلِمُونَ: مَا كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ، أَوْ أُخِذَتْ مِنْ أَرْضِ الْمُشْرِكِينَ عَنْوَةً ” انتهى.
قال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى:
” حسين بن قيس يقال له حنش: متروك الحَديث، له حديث واحد حسن، روى عنه التّيميّ في قصّة البيع أو نحو ذلك الّذي استحسنه أبي ” انتهى من “العلل ومعرفة الرجال” (2 / 486).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” … الضرب الثالث: ما فُتِح صلحا، وهذا نوعان:
أحدهما: أن يصالحهم على أنّ الأرض لهم ولنا الخراج عليها، أو يصالحهم على مال يبذلونه وهي الهدنة، فلا يمنعون من إحداث ما يختارونه فيها، لأنّ الدار لهم كما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران ولم يشترط عليهم أن لا يحدثوا كنيسة ولا ديرا.
النوع الثاني: أن يصالحهم على أنّ الدار للمسلمين، ويؤدّون الجزية إلينا. فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح معهم، من تبقية وإحداث وعمارة، لأنّه إذا جاز أن يقع الصلح معهم على أنّ الكلّ لهم، جاز أن يصالحوا على أن يكون بعض البلد لهم ” انتهى من “أحكام أهل الذمة” (2 / 308).
وجاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (38 / 152):
” المعابد القديمة فيما فتح صلحا:
الأراضي المفتوحة صلحا ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أن يصالحهم الإمام على أن تكون الأرض لنا؛ فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح.
النوع الثاني: أن يصالحهم الإمام على أن تكون الأرض لهم ويؤدوا عنها خراجا، فهذا مما لا يتعرض للمعابد القديمة فيها دون خلاف.
النوع الثالث: أن يقع الصلح مطلقا:
فذهب الشافعية في مقابل الأصح، والحنابلة، وهو المفهوم من كلام الحنفية والمالكية: إلى أنه لا يتعرض للقديمة، وهذا لحاجتهم إليها في عبادتهم كما علله الشافعية ” انتهى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب