هل يجوز أداء السنن الرواتب جماعة؟ وكيف نرد على من قال: إن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت عنه فى قيام الليل جماعة مع بعض الصحابة لا يجوز القياس عليه فى السنن الراتبة؟
هل يجوز أداء السنة الراتبة جماعة؟
السؤال: 463223
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأصل في السنن الرواتب أن يؤديها المسلم منفردا، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام أنهم صلوها جماعة فيما نعلم؛ وقد أمرنا بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا كنا نريد أجر الآخرة.
قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب/21.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله…
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) أي: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال: ( لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً ) " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 / 391).
ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم التأسي به في ترك ما اعتاد على تركه.
قال ابن النجار رحمه الله تعالى:
" التأسي" برسول الله صلى الله عليه وسلم "فعلك" أي أن تفعل " كما فعل" لأجل أنه فعل.
وأما التأسي في الترك: فهو أن تترك ما تركه، لأجل أنه تركه " انتهى من "شرح الكوكب المنير" (2/196).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والترك الراتب: سنة، كما أن الفعل الراتب: سنة. بخلاف ما كان تركُه لعدم مقتضٍ، أو فوات شرط، أو وجود مانع، وحدث بعده من المقتضيات والشروط وزوال المانع ما دلت الشريعة على فعله حينئذ، كجمع القرآن في المصحف، وجمع الناس في التراويح على إمام واحد. وتعلم العربية، وأسماء النقلة للعلم وغير ذلك مما يحتاج إليه في الدين بحيث لا تتم الواجبات أو المستحبات الشرعية إلا به، وإنما تركه صلى الله عليه وسلم لفوات شرطه أو وجود مانع.
فأما ما تركه من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعا لفعله أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده والصحابة: فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة، ويمتنع القياس في مثله " انتهى من "مجموع الفتاوى" (26/172).
وأما فعلها أحيانا، من غير مداومة عليها، ولا اتفاق الجمع الكثير على الاجتماع عليها، وإنما تُصلى جماعة أحيانا لسبب عارض، كالجديد في الإسلام يصلي الراتبة مع من لديه علم ليتعلم ونحو هذا، فلا بأس به، وبهذا يجمع بين متفرقات الباب، وعليه تحمل الأحاديث الواردة بمشروعية الجماعة العارضة في النوافل.
ولا فرق في ذلك بين الجماعة في السنن الرواتب، على الشرط المذكور، والجماعة في غيرها من النفل، كقيام الليل، وصلاة الضحى، ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" صلاة التطوع في جماعة نوعان:
أحدهما: ما تسن له الجماعة الراتبة، كالكسوف والاستسقاء وقيام رمضان، فهذا يُفعل في الجماعة دائما، كما مضت به السنة.
الثاني: ما لا تسن له الجماعة الراتبة: كقيام الليل والسنن الرواتب وصلاة الضحى وتحية المسجد ونحو ذلك؛ فهذا إذا فُعل جماعة أحيانا: جاز.
وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة، بل بدعة مكروهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لم يكونوا يعتادون الاجتماع للرواتب على ما دون هذا. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تطوع في ذلك في جماعة قليلة أحيانا، فإنه كان يقوم الليل وحده؛ لكن لما بات ابن عباس عنده صلى معه، وليلة أخرى صلى معه حذيفة، وليلة أخرى صلى معه ابن مسعود. وكذلك صلى عند عتبان بن مالك الأنصاري في مكان يتخذه مصلى صلى معه، وكذلك صلى بأنس وأمه واليتيم.
وعامة تطوعاته إنما كان يصليها مفردا وهذا الذي ذكرناه في التطوعات المسنونة " انتهى من " مجموع الفتاوى" (23 / 413 — 414).
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:
" هل تجوز صلاة النافلة الراتبة جماعة مثل راتبة الظهر أو العصر؟".
فأجاب: "المشروع أنها غير جماعية، الراتبة تصلى فردية، كل واحد يصلي عن نفسه، ما يصليها جماعة، لكن لو فعلها ناس جماعة فصحيحة، لكن السنة أن يصليها كل واحد عن نفسه، ما نحفظ عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم صلوها جماعة، فيصلي سنة الظهر وحده، وسنة الفجر وحده، وسنة المغرب كذلك، ما يحتاج إلى جماعة. أما صلاة الضحى فقد فعلها النبي عليه الصلاة والسلام جماعة بعض الأحيان لما زار بعض أصحابه، فلا بأس.
أما السنة الراتبة: سنة الفجر، سنة المغرب، سنة العشاء، سنة الظهر، فلا أعلم أن الرسول فعلها جماعة، ولا أن بعض الصحابة فعلها جماعة، لا يحضرني في هذا شيء، والأفضل للمؤمن أن يصليها مستقلا فردا وحده " انتهى، من "فتاوى نور على الدرب" (10/308).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب