ثمانية إخوه؛ ٦ ذكور، و٢ إناث، توفي والدهم من عشر سنين، وترك ٣ منازل، ولم يتم توزيع الميراث حتي الآن؛ بسبب استيلاء ٣ من الرجال علي البيوت، ولا يريدون إعطاء الميراث لأخواتهم البنات؛ لأنهم لا يريدون أن يورثو البنات، ولا يريدون إعطاء إخوانهم الذكور الثلاثة بحجة أنهم مسافرون خارج البلاد، ولا يحتاجون للمال، والأم علي قيد الحياة، وهي مسنة، وهي تمتلك ٢٠ قيراطا، وبيت، فقام هولاء الأخوة أيضا بجعل الأم تتنازل عن أملاكها لهم دون إخوتهم، والأم تمتلك 150 جرام من الذهب تركتها كأمانة عند إحدى بناتها، فما حكم هذا الذهب؟ هل يقسم بين البنات وإخوانهم الثلاثة الذين لم يحصلوا على شيء من ميراث أبيهم وأمهم، مع العلم إن الأم مازالت على قيد الحياة؟
أولا:
إذا مات الإنسان وترك مالا، وجب تقسيمه على ورثته، ولم يجز تأخير ذلك إلا برضى جميع الورثة، ولا يجوز حرمان واحد منهم، ذكرا أو أنثا؛ لما في ذلك من الظلم والعدوان وأكل المال بالباطل، وقد قال تعالى بعد قسمة المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13- 14
ثانيا:
ما قام به بعض الأبناء من أخذ توقيع الأم على بيع أملاكها، ظلم آخر، وعدوان على الأم وعلى ورثتها.
وعلى الأم أن تسعى لإبطال ذلك ، بكل ما يمكنها ، إن استطاعت.
ثالثا:
لا يجوز الاعتداء على أمانة الذهب التي بيد إحدى البنات؛ فإن الذهب ملك للأم ما دامت حية، ولها كامل التصرف فيه لو أرادت.
فلا يجوز أن يوزع الذهب على البنتين وبقية الأبناء ، بحجة أنهم لم يأخذوا شيئا من تركة الأب، وقد لا ينالهم شيء من تركة الأم مستقبلا، فإن القضية الأولى قضية مستقلة، والأم على قيد الحياة، فليس لأحد أن يقتسم مالها، إلا لو كانت الأم قد وقعت على التنازل عن أملاكها برضاها، كما سيأتي.
لكن لو أرادت الأم توزيع مالها على أولادها، فلها ذلك، ويلزمها العدل؛ لأن هذا التوزيع هبة يلزم فيها العدل، فتعطي الذكر مثل حظ الأنثيين.
روى البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ: " سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/ 389): " والأم في المنع من المفاضلة بين الأولاد كالأب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم).
ولأنها أحد الوالدين، فمنعت التفضيل؛ كالأب، ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض ولده من الحسد والعداوة، يوجد مثله في تخصيص الأم بعض ولدها، فثبت لها مثل حكمه في ذلك " انتهى.
فيجوز أن تنظر في أرضها وبيتها وذهبها، وتقوّم ذلك، وتعطي الذكر ضعف الأنثى، ومن لم يأخذ أرضا، فإنها تعوضه من الذهب، بحيث يحصل العدل بين الجميع، وتحتفظ بالباقي لها، أو توزعه كذلك بالعدل بين الثمانية.
ولها أن تخصم من نصيب من أخذوا الأرض: نصيبها من تركة زوجها وهو الثُّمُن، فتحتفظ به، أو تعيد تقسيمه على الجميع بالعدل.
فلو كان نصيبها من تركة زوجها يعادل 200 ألف مثلا، وكانت قراريطها وبيتها تساوي 100 ألف، وكان ذهبها يساوي 300 ألف، فإن المجموع 600 ألف، فلها إن شاءت أن تقسم هذا بين أولادها وأن تراعي أن الثلاثة المعتدين قد أخذوا 400 ألف.
رابعا:
إذا كانت الأم قد وقعت على التنازل عن أملاكها برضاها، فهذه هبة جائرة لبعض أولادها دون بعض.
فيلزمها إما استرداد الهبة-وهذا غير ممكن-، وإما إعطاء بقية أولادها مثل أعطت.
قال ابن قدامة في "المغني" (6/ 51): " فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها: أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين؛ إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر" انتهى.
فعلى الأم أن تعوض بقية أولادها، فتنظر في قيمة أملاكها التي تنازلت عنها، وقيمة الذهب، وتقدّر نصيب كل واحد، وتعطي من الذهب للبنتين والأبناء الثلاثة ما يتحقق به العدل، بحيث يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإن لم تفعل الأم ذلك، فلهؤلاء المظلومين في الهبة أن يأخذوا حقهم من الذهب الذي معهم، بعد تقويمه وتقويم ما تنازلت عنه الأم، وذلك بناء على مسألة الظفر المشهورة. وينظر: جواب السؤال رقم: (171676).
وأما إن كان توقيعها بغير رضاها، ولم تُرد توزيع الذهب، فليس لأحد أن يعتدي على الأمانة، كما قدمنا.
خامسا:
البيوت الثلاثة، تركة الأب، وللزوجة فيها الثمن، والباقي للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكل وارث لم يأخذ حقه أن يطالب به، وله أن يلجأ في ذلك للقضاء، ولا يعد هذا منه قطيعة رحم.
وينبغي توسيط من ينصح الأبناء ويذكرهم بحق باقي الورثة قبل اللجوء للقضاء.
والله أعلم.