كنت في المسجد مع صديقي، وأملك النقود الورقية، وأريد أن أدخلها في حسابي ، فأطلب من صديقي لتحويل بعض نقوده التي توجد في حسابه إلى حسابي ثم أعطيته النقود الورقية، هل هذه المعاملة صرف أم دين أو ماذا؟ وكيف حكمها إذا أدّيتها داخل المسجد؟
ما حكم إجراء عقد الصرف في المسجد؟
السؤال: 466678
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
تحويل صاحبك نقودا إلى حسابك، وإعطاؤك إياه نقودا ورقية، يعتبر صرفا، ويشترط له عند اتحاد العملة شرطان: التماثل والتقابض في المجلس؛ لما روى مسلم (1587) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ).
والعملات النقدية لها ما للذهب والفضة من الأحكام.
جاء في قرار ” مجمع الفقه الإسلامي ” التابع لمنظمة ” المؤتمر الإسلامي ” ما نصه:
“بخصوص أحكام العملات الورقية: أنها نقود اعتبارية، فيها صفة الثمنية كاملة، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما” انتهى من “مجلة المجمع” (العدد الثالث ج 3 ص 1650، والعدد الخامس ج 3 ص 1609).
ويحصل التقابض بما ذكرت من دخول ماله إلى حسابك، وإعطائك إياه نقودا، إذا تم ذلك في المجلس الواحد.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن “القبض” ما يلي:
” إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً:
القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
أ – إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة، أو بحوالة مصرفية “. انتهى من “مجلة مجمع الفقه” (ع 6، ج 1 ص 453).
ثانيا:
الصرف بيع النقود بعضها ببعض.
قال ابن عابدين رحمه الله في بيان أقسام البيع باعتبار المبيع:
” وإن اعتبر من حيث تعلقه بالمبيع، فهو أربعة أيضا؛ لأنه إما أن يقع على عين بعين، أو ثمن بثمن، أي يكون المبيع فيه من الأثمان: أي النقود، أو ثمن بعين، أو عين بثمن، ويسمى الأول مقايضة، والثاني صرفا، والثالث سلما، وليس للرابع اسم خاص، فهو بيع مطلق” انتهى من “حاشيته على الدر المختار” (4/ 501).
ثالثا:
ورد النهي عن البيع في المسجد؛ لما روى الإمام أحمد (11/ 257)، وأبو داود (1079) من طريق عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ)، والحديث حسنه الترمذي في جامعه، والنووي في ” رياض الصالحين “، وابن حجر في “نتائج الأفكار” (1/297)، وغيرهم من العلماء.
وروى الترمذي (1321) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في ” الإرواء ” (1295).
واختلف الفقهاء في حكم البيع في المسجد، فذهب الحنابلة إلى تحريمه وبطلانه، وذهب المالكية والشافعية إلى صحته وجوازه مع الكراهة.
وقال ابن هبيرة رحمه الله : ” وَاخْتلفُوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد : فَمنع صِحَّته وجوازه : أَحْمد ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة : البيع جَائِز ، وَيكرهُ إِحْضَار السّلع فِي الْمَسْجِد وَقت البيع ، وَينفذ البيع مَعَ ذَلِك ، وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ مَعَ الْكَرَاهَة ” انتهى من “اختلاف الأئمة العلماء” (1/ 348).
وقال البهوتي رحم الله في “كشاف القناع” (2/ 366): ” (ويحرم فيه) أي المسجد (البيع والشراء والإجارة) لأنها نوع من البيع (للمعتكف وغيره) وظاهره قل المبيع أو كثر، احتاج إليه أولا؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والابتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المساجد فقال: يا هذا إن هذا سوق الآخرة، فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا (فإن فعل) أي باع أو اشترى في المسجد (فباطل) قال أحمد: وإنما هذه بيوت الله لا يباع فيها ولا يشترى، وجوز أبو حنيفة البيع، وأجازه مالك والشافعي مع الكراهة ” انتهى.
والراجح تحريم البيع في المسجد.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (6/287): “هل يجوز بيع الكتب واللحم في المساجد؟
ج11: لا يجوز البيع والشراء في المساجد؛ فقد خرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم من يبيع ويبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة، فقولوا: لا ردها الله عليك .
الشيخ عبد الرزاق عفيفي … الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “يحرم عقد الإجارة في المسجد كما يحرم البيع” انتهى من “الشرح الممتع” (10/5).
وأما صحة البيع: فالأظهر القول بصحته.
قال ابن قدامة رحمه الله: “فإن باع فالبيع صحيح؛ لأن البيع تم بأركانه، وشروطه، ولم يثبت وجود مفسد له، وكراهة ذلك لا توجب الفساد، كالغش في البيع والتدليس والتصرية. وفي قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” قولوا: لا أربح الله تجارتك “. من غير إخبار بفساد البيع، دليل على صحته، والله أعلم” انتهى من “المغني” (4/206).
وعليه؛ فالصرف الذي تم بينكما صحيح، ولا يلزم رده، لكن تلزمكما التوبة؛ لأنه لا يجوز فعل ذلك في المسجد.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب