قرأت كلاماً للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ولغيره أن من حضر طعام وليمة ونحوها بدون دعوة فالعلماء على حرمة ذلك، وأن من صنع ذلك يلقب بالطفيلي، فما توجيه هذا الحكم المذكور، واتفاقه مع حديث جابر رضي الله عنه في غزوة الخندق، وصنعه الطعام للنبي عليه الصلاة والسلام، وحين أعلم جابرٌ النبيَّ عليه الصلاة والسلام بذلك بادر النبي عليه الصلاة والسلام بدعوة الصحابة للطعام بدون حتى مشاورة جابر رضي الله عنه، ألم يكن في ذلك إحراجاً لجابر وزوجه؟ مع علمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيضع البركة في الطعام، ويكفي الجميع، لكن أريد توجيه هذا الفعل مع حكم الفقهاء.
ما توجيه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة لوليمة جابر دون إذنه؟
السؤال: 466954
ملخص الجواب
الطفيلي هو الذي يقتحم على القوم في طعامهم من غير إذن، وأما إذا أذن صاحب الدعوة له قبل الطعام فيجوز له الأكل. وفي حديث جابر المذكور قد علم بالصحابة الذين استتبعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأذن لهم، فزال الإشكال.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قصة حديث جابر رضي الله عنه كما رواها الإمام البخاري لا تعارض ما أشرت إليه من كلام أهل العمل في ذم الطفيلي، وذلك أن تعريف الطفيلي الذي ذكره أهل العلم بالذم "هو الذي يقتحم على القوم في طعامهم من غير إذن" انظر "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (6/ 215)".
وأما ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه فليس من هذا الباب، وقد بيّن العلماء ما وقع من ظاهر التعارض بين النهي عن أكل الإنسان من غير إذن صاحب الطعام، وبين ذهاب الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حين دعاه جابر رضي الله عنه.
وفي نص الحديث ما يرفع الإشكال.
فعن جابر رضي الله عنه قال:" إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل.
ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب الكدية، فعاد كثيبا أهيل، أو أهيم.
فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟
قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج.
فقلت: طعم لي، فقم أنت يا رسول ورجل أو رجلان.
قال: كم هو.
فذكرت له.
قال: كثير طيب، قل لها: لا تنزع البرمة، ولا الخبز من التنور حتى آتي.
فقال: قوموا.
فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم.
قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، فقال: ادخلوا ولا تضاغطوا فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز، ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، قال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة رواه البخاري (3875).
وما حصل من الصحابة لا يُعد من التطفل بحال، وذلك أنّ لفظ الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بقية الصحابة بوجود جابر، وأقر ذلك، وأخبر أمرأته أن النبي صلى الله عليه وسلم أحضر المهاجرين والأنصار، وقد علم جابر وزوجته بعددهم قبل دخولهم وأقروا ذلك.
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله وفي بعض الروايات: "فقالت هل كان سألك كم طعامك؟ فقلت: نعم. فقالت الله ورسوله أعلم، ونحن قد أخبرناه بما عندنا، فكشفت عني غما شديدا" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (7/398).
ومما سبق تزول إشكالية وجود التطفل من الصحابة، وحاشاهم؛ لوجود العلم والرضاء بالقرائن البينة في الحديث.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "يحرم التطفل، وهو الدخول إلى محل الغير لتناول طعامه، بغير إذنه، ولا علم رضاه أو ظنه بقرينة معتبرة" انتهى من "تحفة المحتاج" (7/436).
كما أن المنع من دعوة آخرين هو لحق صاحب الدعوة، فربما كان لا يرغب بالشخص الذي استقدمه الضيف معه، فإذا علمنا رضاه التام عن إحضار الضيف للشخص الآخر، زالت علة النهي، وهذا في عادات الناس وأعرافهم معروف ومعمول به، فإحضار بعض الأشخاص ربما يزيد صاحب الدعوة فرحا وسروراً، ولذا بوب النووي على هذا الحديث في صحيح مسلم بقوله: (باب: جواز استتباعه غيره، إلى دار من يثق برضاه بذلك، ويتحققه تحققا تاما).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الطفيلي هو الذي يدخل على الناس بدون دعوة، سمع أن فلانا عنده وليمة فذهب إليه، هذا نسميه طفيليا، فلا تقبل شهادته لمخالفة المروءة.
لكن إذا علمت من صاحبك أنه يفرح بمجيئك، فهذا ليس بطفيلي، بل هو من المروءة والتواضع، وكثير من الناس ـ كما قيل: رب صدفة خير من ميعاد ـ إذا جئت إليه بدون دعوة، يكون أحب إليه ويفرح كثيرا، ويظهر عليه أثر الفرح" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (15/428).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب