ورثت عن زوجي مبلغا، وقدرة 200 ألف جنيه مصري، فاستلمه أخوه للعمل بدلاً منه، وكان ذلك لمدة أربعة أعوام، حصلت على ربح من عمل أخيه، ثم توقف عن العمل، وانفق كل رأس المال، المقدر ب 200 ألف جنيه مصري، ما عدا 30 ألف جنيه من رأس المال مازال باقياً، ووصى زوجي قبل وفاته بمال لأخته، قال قبل موته بالنص هكذا: " اأختي لها مال"، ولم يحدد مقدار المال، مع العلم طوال الأربع سنوات كانت تحصل علي مصروف يومي لتعيش به، عندما توقف أخوه عن العمل صرف من رأس المال حتي تبقي منه فقط 30 ألف جنيه. فهل هذه الأموال المتبقية 30 ألف جنيه، هل لأخته الحق فيها عند توزيعها، أم لا ؟! وإذا كان لها الحق، كم الملبغ المقدر لها؟، علماً بأن المتوفي لديه ثلاثة اولاد ذكور وبنت في سن التعليم، ولا يعمل منهم أحد.
أقر قبل وفاته أن لأخته مالا ولم يبين حقيقته وقدره، فما العمل؟
السؤال: 471560
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا السؤال محتمل لحالتين:
الأولى: أن زوجك أخبر أنّ عليه دينا لأخته.
والثانية: أنه أوصى لأخته بمال.
وبسؤال أخته قد يتضح الأمر، فإن قالت إنه ليس لها دين عند أخيها المتوفى، فنتعامل مع الأمر على أنه وصية.
وإن ادعت أنّ لها مالا عند أخيها، فنقبل قولها لإقرار الأخ أنّ لها مالا، ويقبل قولها في تحديد المقدار لها إذا كان لها بينة، كما سيأتي بيانه.
فأولاً:
في حالة أنه دين:
فإنّ من أقر بمال لفلان، فإنه يرجع في بيان مقداره إليه، ويقبل تفسيره، سواء فسره بالقليل أو الكثير.
قال ابن قدامة رحمه الله : "وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ ، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ" انتهى، "المغني" (7/305).
وبما أنّ زوجك لم يفسر هذا المال الذي في ذمته لأخته، فالأمر كما يأتي بيانه:
- أن تفسر أخته مقدار المال. فإن كان الورثة كلهم بالغين، وقبلوا منها؛ فالأمر على ما قالت.
- إذا لم يقبل الورثة – أو بعضهم – قولها، أو كان بعض الورثة غير بالغ فيلزمها: إحضار بينة على تحديد المقدار الذي تدعيه، فإن أحضرته حكم له به.
والبينة: إما شاهدان رجلان، وإما رجل وامرأتان، وإما شاهد واحد ويمين المقَرِّ له .
وإما ورقة مكتوبة بخط المتوفى، أو عليها توقيعه.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (21/ 121):
"ذهب الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى صحة توثيق الدين بالكتابة، وأنها بينة معتبرة في الإثبات، إذا كانت صحيحة النسبة إلى كاتبها".
فإن لم تأتِ بشيء من ذلك قام الوارث مقام الميت، فيطالَب ببيان مقدار المال ، فإن لم يبين لكونه لا يعرف مقدار المال ، حلف أنه لا يعلم مقداره ، وحينئذ يثبت الحق مجملا في التركة ، فيعطي المقر له أقل ما يسمى مالًا .
جاء في "الوجيز في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص592):
"باب الإقرار بالمجمل: إذا قال: "له على شيء"، أو "كذا"، قيل له: "فسره"، فإن أبى، حبس حتى يفسره. فإن فسره بحق شفعة، أو أقل مال، قبل…، فإن مات قبل أن يفسر، أخذ وارثه بمثل ذلك إن ترك تركة، وإلا فلا" انتهى
وقال النووي رحمه الله: " "يصح الإقرار بالمجمل، وهو المجهول؛ للحاجة. وسواء أقر به ابتداء، أو جوابا عن دعوى معلومة…
فإذا قال: له علي شيء، طلبنا تفسيره.
فإن فسره بما يُتمول، قُبل، كثر أم قل، كرغيف، وفلس، وتمرة، حيث يكون لها قيمة" انتهى من "روضة الطالبين" (4/ 371).
وقال: "فإذا قال: له عليّ مال، قبل تفسيره بأقل ما يتمول" انتهى من "روضة الطالبين" (4/ 374).
وعليه: فإذا ثبت هذا الدين في ذمة زوجك، ولم يحصل بيانه، لا منه ولا من أخته ولا من الورثة، فإنها تستحق أقل ما يصدق عليه أنه مال في عرفكم.
فإن كان ما أخذته خلال السنوات الأربع الماضية "مصروف يومي" كما ذكرتِ، يكون حقها قد وصل إليها؛ إن لم يُعط لها على سبيل الإحسان، وإلا فتعطى أقل ما يصدق عليه أنه مال يستفاد منه.
ثانياً:
إذا نفت أخت زوجك أنّ لها دينا عند أخيها المتوفي، فإننا نجري قوله (أختي لها مال) على أنه وصية.
وبما أنّ قدرها غير معلوم، فإنه يصدق عليها أقل ما يتمول به، فتعطى قدرا من المال؛ ولو كان شيئا يسيرا.
فإن كان ما أخذته سابقاً من مصروف على أنه حق لها، فقد برئت ذمتكم، وإن أخذته على وجه الإحسان منكم، فتُعطى أقل قدر من المال. كما سبق ذكره في صورة الدَّين.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وإن أوصى بجزء أو حظ أو نصيب أو شيء من ماله، أعطاه الورثة ما شاءوا. لا أعلم فيه خلافا. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وابن المنذر، وغيرهم؛ لأن كل شيء: جزء ونصيب وحظ وشيء.
وكذلك إن قال: أعطوا فلانا من مالي، أو ارزقوه. لأن ذلك لا حد له في اللغة، ولا في الشرع، فكان على إطلاقه" انتهى من "المغني" (8/ 426).
ثالثا :
وأياً ما كان الأمر، ديناً أو وصية؛ فقد كان الواجب سداد ذلك قبل قسمة التركة، لقوله تعالى في قسمة التركة: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ النساء/11.
وقد أخطأتم في تأخير إعطائها حقها، وكان الواجب عليك أن تسددي دين زوجك فور موته ، بل استحب العلماء أن يكون ذلك قبل الدفن ، لأنه جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يمنع من دخول الجنة حتى تسدد ديونه .
روى النسائي (4605) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ، ثُمَّ قُتِلَ ، ثُمَّ أُحْيِيَ ، ثُمَّ قُتِلَ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ حسنه الألباني في "صحيح النسائي" (4367) .
قال البهوتي رحمه الله في "الروض المربع" (3/26): "ويجب الإسراع في قضاءِ دينه، سواءٌ كان لله تعالى أو لآدمي" انتهى.
وعلى هذا؛ لو استرضيتها بشيء من المال الباقي لكان ذلك حسنا، على أن يكون ذلك من نصيبك من الميراث، إن كان في الورثة أطفال صغار، فإن كانوا جميعا بالغين راشدين، فلا حرج أن يكون ذلك من أصل التركة إذا كان ذلك بموافقتهم .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب