لدي سؤال قراءة في تفسير ابن كثير تفسير سورة البقرة الآية ٣٦ نقل عن رجاء بن أبي سلمة (وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ سَلَمَةَ: أُهْبِطَ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَدَاهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ، وَأُهْبِطَ إِبْلِيسُ مُشَبِّكًا بين صابعه رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ) اريد ان اسأل عن صحة القول، وإذا كان صحيح كيف علم رجاء بن أبي سلمة بهذا، وإذا كان خطأ هل يجوز تشبيك اليدين ورفع الراس
هل صح خبر: ( أُهْبِطَ إِبْلِيسُ مُشَبِّكًا بَيْنَ أَصَابِعِهِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ )؟
السؤال: 472812
ملخص الجواب
لا كراهة في تشبيك الأصابع إلا في حال “الصلاة”، للنهي عنه، أو في حال انتظارها والخروج إليها، على خلاف في ذلك. وأما في عامة الأحوال، فلا يكره. وسواء كان ذلك في المسجد أو غيره.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
هذا الخبر رواه ابن أبي حاتم عن رجاء بن أبي سلمة، حيث قال في "التفسير" (1 / 88):
حَدَّثَنَا أَبُو هَارُونَ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْخَرَّازُ، حدثنا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْخَطِيبِ، أَخْبَرَنِي ضَمْرَةُ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: " أُهْبِطَ آدَمُ يَدَيه عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ، وَأُهْبِطَ إِبْلِيسُ مُشَبِّكًا بَيْنَ أَصَابِعِهِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ".
وفي هذا الإسناد ابن أبي الخطيب لم نعلم من هو؛ إلا أن يكون وقع تصحيف وخطأ في النسخ، فلعل الصواب حدثنا يحيى بن زياد ابن أبي الخصيب.
وقد رواه ابن أبي حاتم في (4 / 1454)، عن يحيى بن زياد عن ضمرة بدون ذكر لابن أبي الخطيب بينهما، حيث قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أَبُو هَارُونَ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْخَرَّازُ، حدثنا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ، أَخْبَرَنِي ضَمْرَةُ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: " أُهْبِطَ آدَمُ يَدَيه عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ، وَأُهْبِطَ إِبْلِيسُ مُشَبِّكًا بَيْنَ أَصَابِعِهِ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ".
وعلى كل حال فغاية هذا الخبر أنه من كلام رجاء بن أبي سلمة.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" رجاء بن أبي سلمة أبو المقدام بن مهران الفلسطيني، عن: رجاء بن حيوة، وعمر بن عبد العزيز. وعنه: ابن علية، وضمرة، والفريابي. ثقة فاضل عابد، توفي 161 " انتهى. "الكاشف" (1 / 395).
وهذا خبر متعلق بأمر غيبي ولا يعلم عمّن أخذه رجاء، فمجرد كلامه في مثل هذا لا يعدّ حجة.
أما من أين جاء به رجاء بن أبي سلمة؟ فيحتمل أن يكون من أخبار بني اسرائيل.
وقد روى ابن أبي شيبة خبرا يخالف هذا الخبر، فروى في "المصنف" (14 / 210 )، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن حميد بن هلال قال: " إنما يكره الاختصار في الصلاة؛ لأن إبليس أهبط مختصرًا " انتهى.
أي واضعا يديه على خصره.
وهذا الخبر ليس بحجة أيضا لأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام حميد بن هلال، ولا يعرف عمّن أخذه.
ثانيا:
وغاية ما يكره من تشبيك الأصابع : أن يكون ذلك في حال الصلاة، أو حال المشي إليها، وانتظارها، على خلاف بين السلف في هذه.
وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (4861) عَنْ أبي ثُمَامَةَ الْقَمَّاحِ ، قَالَ : لَقِيت كَعْبًا وَأَنَا بِالْبَلاَطِ قَدْ أَدْخَلْت بَعْضَ أَصَابِعِي فِي بَعْضٍ ، فَضَرَبَ يَدِي ضَرْبًا شَدِيدًا ، وَقَالَ : نُهِينَا أَنْ نُشَبِّكَ بَيْنَ أَصَابِعَنا فِي الصَّلاَة ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : يَرْحَمُك اللَّهُ تَرَانِي فِي صَلاَةٍ ؟ فَقَالَ : مَنْ تَوَضَّأَ فَعَمَدَ إلَى الْمَسْجِدِ ، فَهُوَ فِي صَلاَةٍ.
وفي "المصنف" أيضا (4862): عَنِ النُّعْمَانِ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ ، قَالَ : كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ ، يَعْنِي : فِي الصَّلاَةِ.
وللفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم (36801 ).
وينظر أيضا للفائدة حول الروايات في المسألة، والخلاف فيها: "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (3/419) وما بعدها، "فتح الباري" لابن حجر (1/566).
وأما تشبيك اليدين ورفع الرأس في غير حال الصلاة، فهو عمل من أفعال العادة التي الأصل فيها الإباحة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ) ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله ، وحرموا ما لم يحرمه … وهذه قاعدة عظيمة نافعة " انتهى . "مجموع الفتاوى" (29 / 16 – 18).
وقال رحمه الله تعالى:
" لست أعلم خلاف أحد من العلماء السالفين: في أن ما لم يجئ دليل بتحريمه: فهو مطلق غير محجور، وقد نص على ذلك كثير ممن تكلم في أصول الفقه وفروعه، وأحسب بعضهم ذكر في ذلك الإجماع يقينا أو ظنا كاليقين " انتهى. "مجموع الفتاوى" (21 / 538).
وقد ترجم الإمام البخاري، رحمه الله في صحيحه، لبيان مشروعية ذلك: " بَابُ تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي المَسْجِدِ وَغَيْرِهِ ".
ثم روى فيه (478) : عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَوْ ابْنِ عَمْرٍو: " شَبَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ ".
وروى أيضا (481) : عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ .
وروى فيه غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: " أورد فيه حديث أبي موسى وهو دال على جواز التشبيك مطلقا وحديث أبي هريرة وهو دال على جوازه في المسجد وإذا جاز في المسجد فهو في غيره أجوز" انتهى، من "فتح الباري" (1/566).
والحاصل:
أنه لا كراهة في تشبيك الأصابع إلا في حال "الصلاة"، للنهي عنه، أو في حال انتظارها والخروج إليها، على خلاف في ذلك.
وأما في عامة الأحوال، فلا يكره. وسواء كان ذلك في المسجد أو غيره.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة