مُلخَّص السؤال:
إذا عَمِلَ العامل عمله فأتمّه -سواءً بإتقان أم لا- فطلب من المُشغِّل مبلغاً يزيد على ما هو مُتعارفٌ عليه بين الناس في هذا الشأن، فأعطاه الثاني مبلغاً يراه هو كافياً على عمله ذلك، فقال له الأول: لا أسامحك؛ يبقى هذا في ذمتك، ثم تفارقا على ذلك، أيأثم الثاني أم هو في حِلٍ من الأمر؟
تفاصيل الموضوع بشكل دقيق:
هاتفي كان فيه عُطبٌ، ولا أدري أنا هل العُطب في الهاتف نفسه، الشرائح الإلكترونية مثلاً، أم في البطارية، فالهاتف من النوع لا تُنزَع بطاريته، أضف إلى ذلك أن البطارية أصلاً كانت معطوبة، ولكن حصل خلل جديد، لا أعلم أين هو، وهو الذي دفعني إلى المُصلِّح، فطلبت من المُصلِّح فحص الجهاز لمعرفة المشكلة، أهي من الهاتف، أم من البطارية، وطلبت منه وضع بطاريةٍ جديدة، مؤقتاً، لمجرد التأكد، فوافق على ذلك وفعل، وفعلاً تبيّن أن المشكلة في البطارية دون الجهاز، فطلبت منه نزع البطارية الجديدة التي ركّبها وإعادة القديمة، فوافق أيضاً، ثم قال لي :هذا العمل يُكلِّفك عشرين ألف عملة، وهذا كان صادماً!! إذ لم أتوقع أن يطلب أكثر من عشرة آلاف، ولم يكن معي مبلغٌ كافٍ، فأخبرته أني لا أملك المبلغ المطلوب، وعُدتُ في اليوم التالي فأعطيته عشرة فقط، فقال لي: يبقى هذا في ذمتك.
قلتُ له: من الواضح لك أني لا أملك المال، ولو كان عندي لأعطيتك منذ البارحة أصلاً، فارحم نفسك وارحمني، قال: يبقى في ذمّتك، قلتُ: ألا تسامحني، قال: يبقى في ذمتك، فانصرفتُ وتركته.
لاحظ أنه لم يفعل شيء عملياً، فهو لم يجرِ صيانةً، فهل آثم أنا أم لا؟ فالمتعارف عليه هو مبلغ أقصاه خمسة عشر ألفاً في منتهى المسألة، وعادةً ما يكون خمسة آلاف.
إذا دفع جهازه لمحل صيانة ولم يتفقا على أجرة، وطلب مبلغا كبيرا ، فهل يلزمه الدفع له؟
السؤال: 476871
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا عمل إنسان لغيره عملا دون اتفاق على أجرة، وكان هذا العامل منتصبا للعمل بأجرة، كمن يعمل في الصيانة ونحوها، فله أجرة المثل.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (5/415): ” إذا دفع ثوبه إلى خياط أو قصار، ليخيطه أو يقصره، من غير عقد ولا شرط، ولا تعويض بأجر، مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله، وأنا أعلم أنك إنما تعمل بأجر. وكان الخياط والقصار منتصبين لذلك، ففعلا ذلك، فلهما الأجر.
وقال أصحاب الشافعي: لا أجر لهما؛ لأنهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما، فأشبه ما لو تبرعا بعمله.
ولنا : أن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول، فصار كنقد البلد، وكما لو دخل حماما، أو جلس في سفينة مع ملاح، ولأن شاهد الحال يقتضيه، فصار كالتعويض.
فأما إن لم يكونا منتصبين لذلك، لم يستحقا أجرا إلا بعقد أو شرط العوض، أو تعويض به؛ لأنه لم يجر عرف يقوم مقام العقد، فصار كما لو تبرع به، أو عمله بغير إذن مالكه” انتهى.
وقال في “كشاف القناع” (4/206): ” (ومن عمل لغيره عملا بغير جعل: فلا شيء له)؛ لأنه بذل منفعته من غير عوض؛ فلم يستحقه. ولئلا يلزم الإنسانَ ما لم يلتزمه، ولم تطب نفسه به (إن لم يكن) العامل (مُعَدّاً لأخذ الأجرة.
فإن كان) مُعدا لذلك، (كالملاح، والمُكاري، والحجام، والقصار، والخياط، والدلال، ونحوهم) كالنقاد، والكيال، والوزان، وشبههم (ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل، وأَذن له) المعمول في العمل: (فله أجرة المثل)؛ لدلالة العرف على ذلك انتهى.
ثانيا:
أجرة المثل هنا يرجع فيها إلى أهل الخبرة العاملين في الصيانة، فيقفون على العمل الذي تم، ويقدرون أجرته.
جاء في “مجلة الأحكام العدلية”، مادة (414) ص 80: “(الْمَادَّةُ 414) أَجْرُ الْمِثْلِ: هُوَ الْأُجْرَةُ الَّتِي قَدَّرَتْهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ السَّالِمِينَ عَنْ الْغَرَضِ” انتهى.
وجاء في “درر الأحكام شرح مجلة الأحكام” (1/446): “يعيّن أجر المثل على أربع صور:
الصورة الأولى: تعينه بتقدير أرباب الخبرة الخالين عن الغرض.
وكيفية ذلك أن ينتخب اثنان، مثلا، من أهل الخبرة الخالين عن الغرض، فيقدران الأجرة التي يستحقها مثيل ذلك المال، أو ذلك الرجل في عمله مع المدة الذي استؤجر فيها…
وكذلك يلزم إذا كانت الإجارة واردة على العمل أن ينظر إلى شيئين:
(1) إلى شخص مماثل للأجير في ذلك العمل.
(2) إلى زمان الإجارة ومكانها؛ لأن الأجرة تختلف باختلاف الأعمال والأزمنة والأماكن…
قوله: (السالمين من الغرض) يشترط ألا يكون للخبير غرض ليصح الأخذ بقوله والعمل برأيه” انتهى.
وعليه؛ فيلزم الرجوع إلى اثنين من أهل الخبرة في هذا المجال لتقدير أجرة المثل، فإن كانت عشرة آلاف، لم يلزمك غيرها، ولا يضرك حينئذ قول العامل: إن الباقي في ذمتك.
وينبغي إخباره بما قاله أهل الخبرة، لتطيب نفسه، ويعلم أنك اعتمدت على تقدير أهل الصنعة.
والأحسن أن يكون اختيار المقومين من أهل الخبرة، وتقديرهما بمعرفته، وحضرته، إن أمكن ذلك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب