شخص في صلاة الجماعة وضع القرآن ـ وهو مغلف بجلدة ـ أمامه بينه وبين القبلة عند الصلاة؛ لعله يتقرب لله تعالى بذلك، فهل هذا الأمر جائز؟ وشخص يصلي بجانبه وكان موضع القرآن قريبا من رأسه؛ لأن صاحب القرآن يصلي جانبيا، فأزاحه من أمامه خشية أن يكون بدعة، وقد أحس أن صاحب القرآن غاضب، فهل على هذا الشخص شيء؟
ما حكم وضع المصلي للمصحف بينه وبين القبلة؟
السؤال: 480039
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إن كان المصلي الذي يفعل ذلك : قد تقصد وضع المصحف في قبلته، تبركا بذلك الوضع، أو قصدا للصلاة إليه ، أو نحو ذلك؛ فلا يشرع له ذلك؛ بل يشبه أن يكون فعله ذلك بدعة مذمومة.
وقد ورد عن السلف كراهة جعل المصحف بين المصلي وقبلته.
روى ابن أبي شيبة في “المصنف” (3/506)، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ( كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ مُصْحَفًا، أَوْ شِبْهَهُ ، أَخَذَهُ فَرَمَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ تَرَكَهُ ).
ورواه ابن أبي داود في “المصاحف” (ص667)، قال:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيَّ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ( كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَيْفٌ أَوْ مُصْحَفٌ ).
وخصيف وإن وثّقه بعض أهل العلم ، إلا أنه قد تكلّم في حفظه، ووصف بسوء الحفظ.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” خصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون، مولى بني أمية، عن: سعيد بن جبير، ومجاهد. وعنه: سفيان، وابن فضيل صدوق سيء الحفظ، ضعّفه أحمد ” انتهى من “الكاشف” (1/373).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” خُصَيف ابن عبد الرحمن الجزري، أبو عون: صدوق سيئ الحفظ، خلط بأخرة ” انتهى. “تقريب التهذيب” (ص193).
لكن يشهد لمعناه ما رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (3/507)، قال:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ( كَانُوا يَكْرَهُونَ أنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ، حَتَّى الْمُصْحَفُ ).
وروى ابن أبي داود في “المصاحف” (ص668)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ( كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُصَلُّوا وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ ، حَتَّى الْمُصْحَفُ ).
وقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ( كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْعَلُوا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ شَيْئًا ، حَتَّى الْمُصْحَفُ يَكْرَهُونَهُ ).
وظاهر هذه الأخبار أنهم كانوا يكرهون ذلك، وإن لم يقصدوا التوجه إلى المصحف.
وبكل حال، فلم يشرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك العمل، ولو كان خيرا لسبقنا السلف إليه؛ فكيف وقد نهوا عنه، ومنعوا منه؟!
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ ، فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
” وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث: ( الأعمال بالنيات ) ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء ” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (1 / 176).
وقد سُئل الإمام مالك رحمه الله تعالى:
” عن المصحف يكون في القبلة أيصلى إليه وهو في القبلة؟
قال مالك: إن كان إنما جعل ليصلي إليه فلا خير فيه، وإن كان إنما هو موضعه ومعلَّقُه فلا أرى بذلك بأسا ” انتهى من “المدونة” (1 / 287).
وقال ابن رشد رحمه الله تعالى:
” وأما المصحف فكره القصد بالصلاة إليه على ما قاله في هذه الرواية، ومثله في المدونة سواء؛ لأن ذلك بدعة، وبالله تعالى التوفيق ” انتهى من “البيان والتحصيل” (17 / 626).
الخلاصة:
لا يشرع للمصلي وضع المصحف في قبلته وهو يصلي، سواء على الأرض، أو معلقا، إذا تعمد ذلك، ولم يكن هذا هو مكانه الذي يوضع فيه عادة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب