قام الإمام بالسجود عندما وصل إلى آيات فيها سجدة التلاوة بقول الله أكبر، لكنه لم يُكَبِّر عند قيامه من السجدة في الصلاة ثمَّ بدأ بقراءة القرآن مرة أخرى، و وقفنا جميعًا بسماع تلاوته. في اليوم التالي أعطيناه فتوى من موقعكم بشأن سجود التلاوة في الصلاة. بعد أسبوع تحدَّث إلينا بشأن هذا الأمر. ذكر خلال ذلك فتوى الألباني، أخبرنا فيها أنَّ الإمام ليس بحاجة إلى قول التكبير أثناء قيامه من السجدة (أي سجدة التلاوة) في الصلاة. منذ ذلك الحين كان يقوم بنفس الممارسة في صلاة الفجر. يرجى التوضيح هل توجد أيُّ فتوى بشأن ذلك من الألباني.
هل يشرع التكبير لسجود التلاوة في الصلاة؟
السؤال: 480298
ملخص الجواب
جماهير أهل العلم على التكبير لسجود التلاوة في الصلاة في الخفض والرفع؛ وهذا الذي القول هو الراجح في المسألة، لموافقته لعموم الأحاديث عن التكبير في الصلاة في الخفض والرفع، ولقياسه على سائر السجود في الصلاة، وللحاجة إليه لتمام متابعة الإمام في الصلاة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
التكبير لسجود التلاوة في الصلاة، هي مسألة من مسائل الاجتهاد، فلم يثبت فيها نص خاص.
فذهب جماهير أهل العلم إلى أن المصلي يكبر لسجود التلاوة في الخفض والرفع.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" إذا سجد للتلاوة فعليه التكبير للسجود والرفع منه، سواء كان في صلاة أو في غيرها. وبه قال ابن سيرين والحسن، وأبو قلابة، والنخعي، ومسلم بن يسار، وأبو عبد الرحمن السلمى، والشافعي، وإسحاق وأصحاب الرأي.
وقال مالك: إذا كان في صلاة. واختلف عنه إذا كان في غير صلاة.
ولنا، ما روى ابن عمر، قال: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ، وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا معه )…
ولأنه سجود منفرد، فشرع التكبير في ابتدائه، والرفع منه، كسجود السهو بعد السلام.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر فيه للسجود والرفع.
ولم يذكر الخرقي التكبير للرفع. وقد ذكره غيره من أصحابنا، وهو القياس، كما ذكرنا " انتهى. "المغني" (2 / 359).
وحديث ابن عمر المذكور عند أبي داود برقم (1413)، من طريق عَبْد الرَّزَّاقِ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ، وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا ).
وهذا حديث قد نص على ضعفه جمع من أهل العلم لأنّ في إسناده عبد الله العمري وقد ضُعِّف، وقد خالفه أخوه عبيد الله وهو ثقة ثبت، من أثبت وأوثق الرواة عن نافع، فروى هذا الحديث بدون ذكر التكبير، كما عند البخاري (1075)، ومسلم (575): عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ ).
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى عن إسناد حديث أبي داود:
" وهذا سند لين – كما قال الحافظ في " بلوغ المرام " – وعلته عبد الله بن عمر وهو ضعيف، وسكت عليه البيهقي، فتعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله: في سنده عبد الله بن عمر أخو عبيد الله متكلم فيه، ضعفه ابن المدينى، وكان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه، وقال ابن حنبل: كان يزيد الأسانيد، وقال صالح بن محمد: لين، مختلط الحديث.
قلت: وقد خالفه أخوه عبيد الله الثقة، فرواه عن نافع نحوه، ولم يذكر التكبير فيه كما سبق في الحديث الذى قبله، فدل ذلك على أن ذكر التكبير فيه منكر، كما تقتضيه قواعد علم الحديث. والله أعلم " انتهى. "إرواء الغليل" (2 / 224).
وإنما يستدل لمشروعية التكبير لسجود التلاوة في الصلاة من السنة النبوية، بعموم الأحاديث الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبّر في الصلاة لكل خفض ورفع.
كما عند البخاري (785) ومسلم (392) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : ( أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ).
وما عند الترمذي (253)، وغيره: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ ).
قال الترمذي: " وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ، وَأَبِي مُوسَى، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الفُقَهَاءِ وَالعُلَمَاءِ " انتهى.
ثانيا:
ذهب الشيخ الألباني رحمه الله تعالى إلى أنّ عدم ثبوت نص خاص على التكبير، يدل على عدم مشروعيته ، وضعف ورود التكبير في حديث ابن عمر، وعليه؛ فلا يكبّر لسجود التلاوة لا في حال الخفض ولا في حال الرفع.
فقال رحمه الله تعالى، في تعليقه على "فقه السنة":
" ومن سجود التلاوة:
قوله: "عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا. رواه أبو داود والبيهقي والحكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ".
قلت: فيه ملاحظتان:
الأولى: أن الحديث ضعيف لأن في سنده عند أبي داود – وعنه رواه البيهقي – عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف كما قال الحافظ في "التلخيص" ولذلك قال في "بلوغ المرام":
"سنده فيه لين". وقال النووي في "المجموع":
"إسناده ضعيف".
وقد روى جمع من الصحابة سجوده صلى الله عليه وسلم للتلاوة في كثير من الآيات، في مناسبات مختلفة، فلم يذكر أحد منهم تكبيره عليه السلام للسجود، ولذلك نميل إلى عدم مشروعية هذا التكبير. وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله " انتهى. "تمام المنة في التعليق على فقه السنة" (ص267).
فالشيخ لم يكن يرى سنية التكبير، لا في الخفض ولا في الرفع، لعدم ورود نص خاص فيها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب