كنت في سفر براً راجعاً إلى بلدي من أداء العمرة، وبعد دخول وقت صلاة الظهر صليتها في مكان توقفنا عنده، وخرجنا من ذلك المكان، وكان أحد المسافرين معنا لم يصلِ الظهر، وظن أن السائق لن يتوقف حتى نصل إلى مدينتنا، دون أن يخبر السائق بالوقوف، مع العلم أنه كان بامكانه إخبار السائق، فصلى جالساً في الباص أثناء حركة الباص -إلى غير القبلة-، ولعطل في الباص توقف السائق في منطقة قبل دخول المدينة عند صلاة العصر، فصلى هذا المسافر العصر مع المقيمين في المسجد، وعندما انتهى أخبرني بما حصل، فقلت له: أن يعيد صلاة الظهر قصراً ركعتين؛ لأنه لا يجوز له الصلاة جالساً وهو قادر على الوقوف وإلى غير القبلة، فهل ما قلته صحيح؟ وماذا يترتب على المسافر؟ وهل عليه أن يعيد صلاة العصر أيضاً باعتبار أنه صلاها قبل الظهر؟
هل تصح صلاة المسافر الفرض في الباص جالسا ولغير القبلة مع قدرته على النزول لأداء الصلاة؟
السؤال: 481457
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا تصح صلاة الفريضة جالسا، مع القدرة على القيام؛ لما روى البخاري (1050) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ).
فالقيام في الفريضة ركن إلا من عذر.
قال الحجاوي رحمه الله في “الإقناع” (1/132): “أركان الصلاة أربعة عشر، وهي ما كان فيها، ولا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلا: القيام في فرض لقادر، سوى عريان، وخائف به، ولمداواة، وقِصر سقف لعاجز عن الخروج، ومأموم خلف إمام الحي العاجز عنه بشرطه” انتهى.
والمصلي في الباص يستطيع أن يصلي قائما في الممر الذي بين المقاعد، فإن صلى قاعدا فقد ترك ركنا، فلا تصح صلاته.
ثانيا:
استقبال القبلة – في الفريضة – شرط من شروط الصلاة للقادر، فلا تصح بدونه؛ لقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة/144.
وإذا لم يمكن استقبال القبلة في الباص، فلا تصح الصلاة إلا أن يخشى خروج الوقت، ولا يمكن جمع الصلاة مع غيرها، ويأبى السائق الوقوف.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل مسافر بالطائرة ولا يعرف اتجاه القبلة علماً بأن الجميع لم يعرفوا الاتجاه فصلى ولم يعلم أهو في اتجاه القبلة في صلاته أم لا ؟ فهل الصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة ؟.
فأجاب : ” الراكب في الطائرة إن كان يريد أن يصلي صلاة نفل فإنه يُصلي حيث كان وجهه ولا يلزمه أن يستقبل القبلة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على راحلته حيثما اتجهت به إذا كان في سفر ، وأما الفريضة فلا بد من استقبال القبلة ولا بد من الركوع والسجود إذا أمكن وعلى هذا فإن من تمكن من هذا في الطائرة فليصل في الطائرة وإن كانت الصلاة التي حضرت وهو في الطائرة مما يُجمع إلى ما بعده كما لو حضرت صلاة الظهر فإنه يؤخرها حتى يجمعها مع العصر أو حضرت صلاة المغرب وهو في الطائرة يؤخرها حتى يجمعها مع العشاء . ويجب عليه أن يسأل المضيفين عن اتجاه القبلة إذا كان في طائرة ليس فيها علامة القبلة فإن لم يفعل فصلاته غير صحيحة ” انتهى نقلا عن “مجلة الدعوة” العدد 1757 ص 45.
وحيث إن صاحبك لم يطلب من السائق الوقوف، وصلى جالسا وإلى غير القبلة، فإن صلاته لا تصح.
وقد أحسنت بدعوته إلى إعادة الصلاة.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (21869)، ورقم: (82536).
ثالثا:
من صلى العصر، ثم أعاد الظهر لفسادها، لم يلزمه أن يعيد العصر بعدها؛ لأن صلاته العصر صحيحة لاعتقاده عند أدائها أنه لا ظهر عليه، فهو في حكم الناسي، فيسقط عنه الترتيب.
قال البهوتي رحمه الله: ” (ولا يسقط) الترتيب (بجهل وجوبه) لقدرته على التعلم فلا يعذر بالجهل لتقصير، بخلاف النسيان (فلو صلى الظهر ثم الفجر جاهلا) وجوب الترتيب (ثم صلى العصر في وقتها، صحت عصره) مع عدم صحة ظهره (لاعتقاده) حال صلاة العصر أن (لا صلاة عليه، كمن صلاها) أي: العصر (ثم تبين أنه صلى الظهر بلا وضوء) أو أنه كان ترك منها ركنا أو شرطا آخر؛ لأنه في معنى الناسي” انتهى من “كشاف القناع” (1/ 261).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (96463).
وعليه، فحيث أعاد صاحبك الظهر، فصلاته صحيحة، ولا يلزمه أن يعيد بعدها العصر.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة