نذرت أن أتبرع لشخص متوفى، ولكن اتضح أنه ليس متوفى، فما حكم نذري؟
نذر ان يتبرع عن شخص ظنه متوفى، ثم ظهر أنه حيّ، فما الحكم؟
السؤال: 483040
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأصل في الأعمال أنها بحسب مقصد صاحبها؛ لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
فالقاعدة: " أنّ مقاصد اللفظ على نية اللافظ " . "الأشباه والنظائر" للسيوطي (1 / 81).
ويدخل في هذه القاعدة أبواب الأيمان والنذور، فالنذر اطلاقا وتقييدا بحسب نية الناذر؛ فإن لم يذكر نيته أثناء النذر، يرجع إلى السبب الذي دعاه إلى النذر، فيكون النذر على حسب ذلك السبب.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" والأصل في هذا الباب – أي باب اليمين- مراعاة ما نوى الحالف، فإن لم تكن له نية نظر إلى ما أثاره على الحلف ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته " انتهى من "الكافي" (1/452).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وكذلك أصحاب الإمام أحمد صرَّحوا باعتبار النية، وحمل اليمين على مقتضاها، فإن عدمت رجع إلى سبب اليمين وما هيجها فحمل اللفظ عليه؛ لأنه دليل على النية …
والمقصود أن النية تؤثر في اليمين تخصيصًا وتعميمًا وإطلاقًا وتقييدًا والسبب يقوم مقامها عند عدمها ويدل عليها فيؤثر ما يؤثره، وهذا هو الذي يتعين الإفتاء به، ولا يحمل الناس على ما يقطع أنهم لم يريدوه بأيمانهم، فكيف إذا علم قطعًا أنهم أرادوا خلافه؟ واللَّه أعلم " انتهى من "أعلام الموقعين" (5/ 532 – 535).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
" وإذا حلف على معين موصوف بصفة ، فبان موصوفا بغيرها ، كقوله: والله لا أكلم هذا الصبي، فتبين شيخا، أو لا أشرب من هذا الخمر، فتبين خلا …
فهذه المسألة وشبهها: فيها نزاع؛ والأشبه أنه لا يقع.
كما لو لقي امرأة ظنها أجنبية، فقال: أنت طالق، فتبين أنها امرأته؛ فإنها لا تطلق على الصحيح؛ إذ الاعتبار بما قصده في قلبه، وهو قصد معينا موصوفا، ليس هو هذا العين .." انتهى، من "الاختيارات" (270).
وما ذكروه في اليمين ينطبق على النذر؛ لأنهما من باب واحد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والنذر نوع من اليمين، وكل نذر فهو يمين، فقول الناذر: لله علي أن أفعل. بمنزلة قوله: أحلف بالله لأفعلن؛ موجب هذين القولين التزام الفعل معلقا بالله. والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( النذر حلف ) فقوله: إن فعلت كذا فعلي الحج لله. بمنزلة قوله: إن فعلت كذا فوالله لأحجن " انتهى من "مجموع الفتاوى" (35 / 258).
وبناء على هذا:
فإن الذي يظهر من سؤالك أن نذرك هذا خرج مخرج الإحسان إلى هذا الشخص بسبب وفاته، ولم يكن نذرا مطلقا، ويشير إلى هذا أنك قد استشكلت الأمر لما علمت بعدم وفاته.
فالراجح – والله أعلم – أن هذا النذر صدر مقيّدا بوفاته، ولم يتحقق هذا القيد، فلا يلزمك أن تفعلي النذر الذي نذرتِه؛ بل إن شئت بررت بنذرك، والتبرع جائز عن الحي كما هو جائز عن الميت، وهو إحسان في الحالتين. وإن شئت أمسكت عما نذرت، ولم تتبرعي، لفوات الصفة التي نذرت لأجلها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب