0 / 0

رصدوا من التركة مبلغا لحج والدتهم ثم زادت تكلفته بعد أن قسموا التركة وأنفقوها، فما يلزمهم؟

السؤال: 486631

والدتي توفيت، ولم تحج عن جهل بفرضية الحج، وورثنا منها عقارا، وعند توزيع الورث اقتطعنا مبلغا لنحج عنها، بعد السؤال من إحدی أخواتي الموجودة في السعودية عن تكاليف الحج، لكن بعد فترة عند سؤالنا عن التكاليف اتضح لنا أن المبلغ المقتطع قليل جدا، ولا يكفي، وإخوتي جميعهم تصرفوا في حصصهم، لأنهم كانوا بحاجة ماسة.
فهل يحوز أن نعمل سبيل ماء، أو أي صدقة جارية بالمبلغ بديلا عن الحج ؟وهل نأثم إن لم نستطع الحج عنها؟ وما نصيحتكم لنا إذا كان لا يجوز عمل صدقة جارية بالمبلغ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

إذا ترك الإنسان الحج مع استطاعته ماديا، ثم مات، وترك مالا، وجب أن يُخرج منه ما يحج به عنه، وذلك دَيْن يقدم على تقسيم التركة؛ لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) النساء/11،  ولما روى النسائي (2639) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : (أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ ) والحديث صححه الألباني في “صحيح النسائي”.

قال ابن قدامة رحمه الله : ” متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج: وجب أن يُخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه، ويُعْتَمر , سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط . وبهذا قال الحسن , وطاوس , والشافعي .

وقال أبو حنيفة ومالك : يسقط بالموت؛ فإن وصى بها، فهي من الثلث ، وبهذا قال الشعبي , والنخعي.

ولنا: ما روى ابن عباس , أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها , مات ولم يحج ؟ قال : حجي عن أبيك وعنه , أن امرأة نذرت أن تحج , فماتت , فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك ؟ فقال : أرأيت لو كان على أختك دين , أما كنت قاضيه ؟ قال : نعم . قال : فاقضوا دين الله , فهو أحق بالقضاء . رواهما النسائي .

ولأنه حق استقر عليه، تدخله النيابة؛ فلم يسقط بالموت، كالدين ” انتهى من “المغني” (3/101) مختصرا.

ثانيا:

يجوز إنابة من يحج عن والدتك من مكة، على الراجح، وهو أقل تكلفة من حجه عنها من بلدها.

وقد اشترط كثير من الفقهاء أن يحج النائب من حيث وجب الحج على المنوب، أو من ميقاته، وينظر: “الموسوعة الفقهية” (42/46).

ومنهم من سهل في ذلك، وأجاز أن يحج عنه، ولو من مكة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح قول الزاد: “مِنْ حَيْثُ وَجَبَا، وَيُجْزِئ عَنْهُ”:

قوله: من حيث وجبا، أي: من المكان الذي وجب على المستنيب أن يحج منه. فمثلاً: إذا كان من أهل المدينة، ووجب عليه الحج وهو في المدينة، يجب أن يقيم النائب من المدينة ولا بد، فلو أقام نائباً من رابغ من الميقات فإن ذلك لا يجزئ، ولو أقام نائباً من مكة من باب أولى، فيجب أن يقيمه من البلد الذي وجب عليه الحج فيه.

والعلة: أن هذا الرجل لو أراد أن يحج لنفسه، لحج من مكانه من المدينة؛ فكذلك نائبه.

وهذا القول ضعيف؛ لأن المنيب إنما يلزمه أن يحج من بلده؛ لأنه لا يتمكن أن يخطو خطوة واحدة، ويصل إلى مكة إلا بالانطلاق من بلده.

ولهذا لو أن هذا المنيب في مكة قد سافر إليها لغرض غير الحج، إمّا لدراسة أو غيرها، ثم أراد أن يحرم بالفرض من مكة، هل نبيح له ذلك؟ أو نقول: اذهب إلى المدينة، لأنك من أهل المدينة، والحج واجب عليك في المدينة؟

نقول: لا بأس بأن يحرم بالحج من مكة.

فإذاً؛ لا بأس أن يحرم النائب من [مكة]، والسعي من المدينة إلى مكة ليس سعياً مقصوداً لذاته، وإنما هو سعي مقصود لغيره، لعدم إمكان الحج إلا من المدينة.

فالقول الراجح: أنه لا يلزمه أن يقيم من يحج عنه من مكانه، وله أن يقيم من يحج عنه من مكة، ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن السعي إلى مكة مقصود لغيره” انتهى من “الشرح الممتع” (7/ 33).

وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل من أهل أفريقيا يريد أن يكلف شخصاً بالحج عن أمه، فأجابت:

“يجوز للشخص المذكور أن يقيم من مكة أو غيرها من الثقات من يحج عن أمه إذا كانت متوفاة أو عاجزة عن مباشرة الحج بنفسها؛ لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم” انتهى.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز … الشيخ عبد الرزاق عفيفي … الشيخ عبد الله بن غديان” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء” (11/ 80).

ثالثا:

إذا كان الورثة قد تصرفوا فيما أخذوا من التركة، ثم ظهر أن تكلفة الحج أكثر مما رصدوا له، وجب أن يؤخذ منهم ما يُكمّل به ما يكفي للحج، يتحملون ذلك بنسبة إرثهم، فمن ورث النصف تحمل نصف المبلغ وهكذا، كما لو ظهر دين على المتوفى لآدمي، بعد تقسيم التركة.

قال ابن عابدين: “فلو قسموا التركة بين الورثة، ثم ظهر دين محيط، قيل للورثة: اقضوه. فإن قضوه: صحت القسمة، وإلا فسخت؛ لأن الدين مقدم على الإرث، فيمنع وقوع الملك لهم، إلا إذا قضوا الدين، أو أبرأ الغرماء ذممهم، فحينئذ تصح القسمة لزوال المال، فكذا إذا لم يكن محيطا، لتعلق حق الغرماء بها، إلا إذا بقي في التركة ما يفي بالدين، فحينئذ لا تفسخ لعدم الاحتياج” انتهى من “حاشية ابن عابدين” (8/267).

وإذا لم يكن مع إخوتك الآن مال، بقي دينا في ذمتهم، يلزمهم أداؤه متى ما تيسر، حتى يُحج عن والدتك، ولا يجزئ عن ذلك عمل سبيل من ماء أو غيره.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android