ما المقصود أنَّ من شروط المسح على الجوارب أن يتمكن من المشي بها؟ أن الجوارب لا تسقط أو لا تتمزق؟ إذا كان الأخير، ما هو السطح الذي تدور حوله هذه الحالة؟ على سبيل المثال. قد يتمزق عند المشي على الحجارة، لكن لا يتمزق عند المشي على الأرض. ما المقصود بشرط ألا تمر المياه من خلالها على الفور؟ هل كأني صببت عليها الماء أم مسحتُ عليها بأيدي مبللة؟ هل إذا استوفت طبقتان من الجوارب الرقيقة شروط المسح عليها ، يجوز مسحها؟
مراد الفقهاء باشتراط إمكان متابعة المشي على الجورب للمسح عليه؟
السؤال: 487796
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يشترط كثير من أهل العلم في المسح على الخفين وما يلحق بهما كالجوارب: أن يكونا مما يمكن متابعة المشي فيها، وهو المشهور عند المذاهب الأربعة.
جاء في”الموسوعة الفقهية الكويتية” (37 / 264):
” الشروط المتفق عليها: …
د – إمكانية متابعة المشي فيهما ” انتهى.
ويقصد الفقهاء بهذا الشرط عدة أمور:
الأمر الأول:
من حيث المادة: وذلك أن يكون الملبوس على الرجل مصنوعا من مادة يمكن المشي فيها كالجلد، فلا يمسح على ما صنع من زجاج أو خشب أو حديد ونحو ذلك، مما يتعذر معه المشي، كما نص على هذا الحنفية.
جاء في “الدر المختار شرح تنوير الأبصار” في الفقه الحنفي:
” و[الشرط] الثالث (كونه مما يمكن متابعة المشي) المعتاد (فيه) فرسخا فأكثر؛ فلم يجز على متَّخَذٍ من زجاج وخشب أو حديد ” انتهى. “الدر المختار” (ص40).
الأمر الثاني:
من حيث السعة والضيق: فلا يكون ضيقا يمنع المشي، ولا واسعا بحيث لا يثبت على الرجل وتخرج منه القدم.
قال النووي الشافعي رحمه الله تعالى:
” لو اتخذ خفا واسعا لا يثبت في الرجل إذا مشى فيه، أو ضيقا جدا بحيث لا يمكن المشي فيه فوجهان، حكاهما جماعات منهم القاضي حسين.
أصحهما: لا يجوز المسح عليهما. وبه قطع البغوي، وصححه الرافعي وغيره، ونقله في الضيق الشاشي عن جمهور الأصحاب؛ لأنه لا حاجة إليه.
والثاني: يجوز، لأنه صالح في نفسه، بدليل أنه يصلح لغيره.
فأما الضيِّق الذي يتسع بالمشي، فيجوز المسح عليه بلا خلاف. صرح به البغوي وغيره ” انتهى. “المجموع” (1 / 501).
الأمر الثالث:
من حيث القوة والثخانة والرقة: فلا يكون رقيقا لا يمكن متابعة المشي فيه، بحيث يسرع إليه التمزق في زمن يسير.
فهذا شرط اشترطه أهل المذاهب الأربعة ، لكن اختلفوا في تحديد الضابط لهذا الشرط:
فبعضهم ضبطه بمسافة السير، وبعضهم بمدته، وبعضهم لم يعتبر مدة السير ولا مقدراه، بل ضبطه بأن يتحمل المشي عليه في قضاء الحاجات، زمن النزول والارتحال في الأسفار، وقيل بحسب عادة الناس في مشيهم أو عرفهم.
جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (37 / 264):
” يرى الحنفية إمكانية متابعة المشي المعتاد فيهما فرسخا فأكثر، وفي قول: مدة السفر الشرعي للمسافر، فلا يجوز المسح على الخف الرقيق الذي يتخرق من متابعة المشي في هذه المسافة…
ويرى المالكية لجواز المسح على الخفين إمكانية متابعة المشي فيه عادة، فلا يجوز المسح على خف واسع لا يستمسك على القدم.
ويرى الشافعية لجواز المسح على الخفين إمكانية التردد فيهما لقضاء الحاجات مدة المسح المقررة في الحضر والسفر، سواء في ذلك المتخذ من جلد أو غيره كلبد وزجاج ونحوهما.
ويرى الحنابلة أن يكون الخفان من جلد أو خشب أو نحوه، بشرط إمكانية متابعة المشي فيهما عرفا، بشرط أن يستمسك على القدم ” انتهى.
ولم نجدهم يعتبرون شكل سطح الأرض التي يمشى عليها؛ ولعل ذلك راجع إلى أن عادة الناس في جميع البلدان – مهما كان شكل سطح أرضها -، يميلون في السير إلى أسهل الطرق وأقلها حجارة.
والذي يظهر: أن الجورب إذا كان يمكن المشي فيه عادة، كجوارب الصوف فهو في حكم الخفين، لتحقق الحاجة عادة للمسح عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” ولأن ما يُلبس في الرِّجل إذا كان ساترا لمحلّ الفرضَ ويُمشى فيه عادة، فقد شارك الخفّ في المعنى الذي أبيح له المسح، فيشاركه فيه، سواء كان مما يُقطع به المنازل والقفار أو لا. ولهذا يُمسح على الخفّ من جلد وإن لم يكن له نعل؛ وذلك لأن المشي فيه عادة هو مظنة الحاجة إلى لبسه، وستره لمحلّ الفرض لينتقل الفرض إليه، فإذا حصلا؛ تعيّن جواز المسح عليه.
ولذلك كان المسح على ذلك منتشرا في الصحابة، من غير مخالف. قال أحمد: يُذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من الصحابة.
وجورب الخِرَق: كجورب الصوف؛ إذا كان صفيقًا حيث يُمشى في مثله عادة.
وإن كان رقيقًا يتخرَّق في اليومين أو الثلاثة، أو لا يثبت بنفسه: لم يُمسح عليه؛ لأن مثله لا يمشى فيه عادة، ولا يحتاج إلى المسح عليه ” انتهى. “شرح عمدة الفقه” (1 / 239).
ثانيا:
اشترط بعض الفقهاء لصحة المسح أن يكون الملبوس على الرجل لا ينفذ منه الماء، وذلك إذا صبّ عليه.
قال النووي الشافعي رحمه الله تعالى:
” هل يشترط كون الخف صفيقا يمنع نفوذ الماء؟
فيه وجهان؛ حكاهما إمام الحرمين وغيره.
أحدهما: يُشترط، فإن كان منسوجا بحيث لو صب عليه الماء نفذ: لم يجز المسح، وبهذا قطع الماوردي، والفوراني والمتولي، قال الرافعي: وهو ظاهر المذهب؛ لأن الذي يقع عليه المسح ينبغي أن يكون حائلا بين الماء والقدم ” انتهى. “المجموع” (1 / 503).
فتبين بذلك: أن المراد بنفوذ الماء: الماء الذي يصب على الرجل وفيها الجورب، لا مجرد الماء الذي يمسح به عليه.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن هذا ليس بشرط، فقال رحمه الله :
” يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما، سواء كانت مجلدة أو لم تكن؛ في أصح قولي العلماء. ففي السنن: ( أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ على جَورَبَيه ونَعلَيهِ ).
وهذا الحديث إذا لم يثبت، فالقياس يقتضي ذلك؛ فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود، ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة، فلا فرق بين أن يكون جلودا أو قطنا أو كتانا أو صوفا …
وغايته: أن الجلد أبقى من الصوف؛ فهذا لا تأثير له، كما لا تأثير لكون الجلد قويا، بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى.
وأيضا؛ فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا، كالحاجة إلى المسح على هذا سواء، ومع التساوي في الحكمة والحاجة، يكون التفريق بينهما تفريقا بين المتماثلين. وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله.
ومن فرق بكون هذا ينفذ الماء منه، وهذا لا ينفذ منه: فقد ذكر فرقا طرديا عديم التأثير ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (21 / 214).
ثالثا:
على القول بعدم جواز المسح على الجورب الرقيق، فهل إذا لبس الإنسان عدة جوارب رقيقة حتى أصبحت في حجم الجورب الثخين، فهل يمكن المسح عليها في هذه الحال؟
هذه مسألة محل خلاف، وقد سبق في جواب السؤال رقم (397782) بيان جواز المسح، مادام قد حصل ستر القدمين بها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة