ما حكم أن يصلي شخص حنفي مثلا خلف شافعي، فالحنفي لا يري ركنية الفاتحة، وتصح الصلاة عنده بدون قراءة الفاتحة، ولكن الإمام يري عكس ذلك، فهو يري ركنية الفاتحة، ومع ذلك تركها عمدا أو سهوا، فإذا قلنا أن صلاة الإمام بطلت، فهل تبطل صلاة المأموم في هذه الحالة؟ وماذا إن شك المأموم، هل الإمام يري ركنية قراءة الفاتحة مثلا أو لا؟ يعني أذا صلى حنفي وراء إمام لا يحسن قراءة الفاتحة ، وشك هل ذلك الإمام يعتقد بركنية الفاتحة أم لا؟ فهل تبطل صلاة المأموم؟
ما حكم الصلاة خلف إمام يترك ما هو ركن عنده عمدا؟
السؤال: 488077
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع، كصلاة الشافعي الذي يرى ركنية الفاتحة، خلف الحنفي الذي لا يقرؤها، وكصلاة الحنبلي، خلف من أكل لحم جزور ولم يتوضأ.
قال ابن قدامة في "المغني" (2/11) :
" فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة , ومالك , والشافعي: فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة . نص عليه أحمد ; لأن الصحابة والتابعين , ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتمُّ ببعض، مع اختلافهم في الفروع؛ فكان ذلك إجماعا.
ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده، فله أجران : أجر لاجتهاده ، وأجر لإصابته، أو مخطئا، فله أجر على اجتهاده، ولا إثم عليه في الخطأ، لأنه محطوط عنه .
فإن علم أنه يترك ركنا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام: فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به. قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل صلى بقوم , وعليه جلود الثعالب؟ فقال : إن كان يلبسه وهو يتأول : أيما إهاب دبغ فقد طهر : يصلى خلفه .
قيل له , أفتراه أنت جائزا ؟ قال : لا , نحن لا نراه جائزا ، ولكن إذا كان هو يتأول، فلا بأس أن يصلى خلفه " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وبالجملة :
فهذه المسائل لها صورتان :
إحداهما : أن لا يعرف المأموم أن إمامه فعل ما يبطل الصلاة ؛ فهنا يصلِّي المأموم خلفه باتفاق السلف والأئمة الأربعة وغيرهم .
وليس في هذا خلاف متقدم ، وإنما خالف بعض المتعصبين من المتأخرين، فزعم أن الصلاة خلف الحنفي لا تصح، وإن أتى بالواجبات ؛ لأنه أداها وهو لا يعتقد وجوبها . وقائل هذا القول إلى أن يستتاب، كما يستتاب أهل البدع، أحوج منه إلى أن يُعتد بخلافه؛ فإنه ما زال المسلمون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه يصلي بعضهم ببعض ، وأكثر الأئمة لا يميزون بين المفروض والمسنون، بل يصلون الصلاة الشرعية ، ولو كان العلم بهذا واجباً لبطلت صلوات أكثر المسلمين، ولم يمكن الاحتياط، فإن كثيراً من ذلك فيه نزاع ، وأدلة ذلك خفية ، وأكثر ما يمكن المتدينَ أن يحتاط من الخلاف، وهو لا يجزم بأحد القولين ، فإن كان الجزم بأحدهما واجباً، فأكثر الخلق لا يمكنهم الجزم بذلك ، وهذا القائل نفسه ليس معه إلا تقليد بعض الفقهاء ، ولو طولب بأدلة شرعية تدل على صحة قول إمامه دون غيره، لعجز عن ذلك، ولهذا لا يعتد بخلاف مثل هذا، فإنه ليس من أهل الاجتهاد .
الصورة الثانية: أن يتيقن المأموم أن الإمام فعل ما لا يسوغ عنده، مثل أن يمس ذكَرَه أو النساء لشهوة أو يحتجم أو يفتصد أو يتقيأ ، ثم يصلي بلا وضوء ؛ فهذه الصورة فيها نزاع مشهور.
فأحد القولين : لا تصح صلاة المأموم ؛ لأنه يعتقد بطلان صلاة إمامه ، كما قال ذلك من قاله من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .
والقول الثاني : تصح صلاة المأموم ؛ وهو قول جمهور السلف ، وهو مذهب مالك ، وهو القول الآخر في مذهب الشافعي وأحمد ، بل وأبي حنيفة. وأكثرُ نصوص أحمد على هذا ، وهذا هو الصواب ؛ لما ثبت في الصحيح وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يُصلُّون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم ) ، فقد بيَّن صلَّى الله عليه وسلم أن خطأ الإمام لا يتعدى إلى المأموم ، ولأن المأموم يعتقد أن ما فعله الإمام سائغ له، وأنه لا إثم عليه فيما فعل، فإنه مجتهد، أو مقلد مجتهد ، وهو يعلم أن هذا قد غفر الله له خطأه، فهو يعتقد صحة صلاته، وأنه لا يأثم إذا لم يعدها، بل لو حكم بمثل هذا لم يجز له نقض حكمه، بل كان ينفذه. وإذا كان الإمام قد فعل باجتهاده، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والمأموم قد فعل ما وجب عليه: كانت صلاة كل منهما صحيحة ، وكان كلٌّ منهما قد أدى ما يجب عليه، وقد حصلت موافقة الإمام في الأفعال الظاهرة .
وقول القائل : إن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام : خطأ منه ؛ فإن المأموم يعتقد أن الإمام فعل ما وجب عليه ، وأن الله قد غفر له ما أخطأ فيه، وأن لا تبطل صلاته لأجل ذلك" انتهى من مجموع الفتاوى (23/ 375).
ثانيا:
إذا تعمد الإمام ترك ركن عنده، كترك الشافعي للفاتحة عمدا: بطلت صلاته.
وهل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه؟
في ذلك خلاف. وقد ذهب الحنابلة إلى بطلان صلاته، وذهب الجمهور إلى عدم البطلان، والراجح مذهب الجمهور.
قال في زاد المستقنع: " وتَبْطُلُ صَلاَةُ مَأْمُومٍ، بِبُطْلاَنِ صَلاَةِ إِمَامِهِ فَلا اسْتِخْلاَفٍ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: " والقول الثاني في المذهب، الذي اختاره شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم: أنه يستخلف، وأن صلاة المأموم لا تبطل بصلاة الإمام، بل إذا بطلت صلاةُ الإمام، بطلت صلاته فقط، وبقيت صلاةُ المأموم صحيحة.
وهذا القول هو الصَّحيح.
ووجه ذلك: أن الأصل صِحَّة صلاة المأموم، ولا يمكن أن نُبْطِلها إلا بدليل صحيح، فالإمام بطلت صلاتُه بمقتضى الدَّليل الصَّحيح، لكن المأموم دخل بطاعة الله، وصَلَّى بأمر الله، فلا يمكن أن نُفْسد صلاته إلا بأمر الله. فأين الدَّليل من كتاب الله، أو سُنَّة رسوله، أو إجماع المسلمين على أن صلاة المأموم تبطل بصلاة الإمام؟ والارتباطات المذكورة لا تستلزم أن تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام.
واستدلَّ بعضُ أهل العلم: أن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه لما طُعِنَ في صلاة الفجر؛ أمرَ عبد الرحمن بن عَوف أن يُصلِّي بالنَّاس؛ ولم يَرِدْ أنه استأنف الصَّلاة، ومعلومٌ أنَّ عمرَ رضي الله عنه سبقه الحَدَثُ، وتكلَّم، وقال: أكَلَنِي الكلبُ.
وأيضاً: فإن عثمان رضي الله عنه صَلَّى بالنَّاس وهو جُنب ناسياً، فأعَاد ولم يعيدوا" انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 322).
ثالثا:
لا تصح الصلاة خلف من لا يحسن قراءة الفاتحة أي يلحن فيها لحنا يحيل المعنى، إلا أن يأتمَّ به مثله.
وينظر: جواب السؤال رقم: (70270).
ومن كان يحسن الفاتحة ثم صلى خلف من لا يحسنها، فالأصل أنه لا تصح صلاته، ولا عبرة بالشك حينئذ هل الإمام يرى ركنية الفاتحة أم لا؟ لأن الأصل عدم ذلك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة