هل هناك حكمة ما في التسمية بهذا الإسم أحمد؟ وهل يصح مثلا: أن يقول المسلم أحمد صلى الله عليه وسلم، وكذا في الشهادتين، مثلا: وأشهد أن أحمد عبده ورسوله؟
هل يجوز استبدلال اسم نبينا صلى الله عليه وسلم من (محمد) إلى (أحمد) في الأذكار الشرعية؟
السؤال: 489513
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
قد ثبت أن اسم “أحمد” من أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى:
( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) الصف/6.
وروى البخاري (3532)، ومسلم (2354) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِي الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ ).
وقد اجتهد أهل العلم في التماس الحكمة من تبشير عيسى عليه السلام ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باسم “أحمد”.
فرأى بعض أهل العلم، أن صفة أحمد في النبي صلى الله عليه وسلم، سابقة في الوجود على صفة أنه محمد بمعنى محمود، لهذا ناسب ذكره في الأمم السابقة باسم “أحمد”.
قال السهيلي رحمه الله تعالى:
” قوله عز وجل: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
معلوم أنه محمد نبينا صلى الله عليه وسلم. ولكن أردنا أن نذكر وجوها من الحكمة في هذين الاسمين:
فأحمد اسم علم منقول من صفة، لا من فعل، وتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل.
فمعنى “أحمد”: أي أحمدُ الحامدين لربه…
وأما محمد: فمنقول من صفة أيضا، وهو في معنى محمود، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار. فالمحمد هو الذي حُمِد مرة بعد مرة…
ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد، حَمِدَ ربه، فنبَّأه وشرَّفه، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد، فذكره عيسى عليه السلام فقال: ( اسْمُهُ أَحْمَدُ )… ” انتهى من “التعريف والاعلام” (ص 333 — 334).
وتبعه عليه القرطبي رحمه الله تعالى في “التفسير” (20/441).
وقد انتقد ابن القيم هذا الرأي، ورأى أن اسم محمد قد ورد في التوراة، وهي قبل الإنجيل، ثم ساق من نصوص التوراة ما يشير إلى ذلك، ثم بيّن أن الحكمة من ذكر اسم “أحمد” في الإنجيل، هي وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أحمد، أي أحمد الحامدين وأعبدهم لله تعالى، فهي صفة تلائم صفة أمة عيسى عليه السلام؛ فهي أمة عبادة ورهبانية، تميزوا بها عن سائر الأمم.
فقال رحمه الله تعالى:
” وقد ظن طائفة، منهم أبو القاسم السهيلي وغيره؛ أن تسميته صلى الله عليه وسلم بـ “أحمد” كانت قبل تسميته بـ “محمد”، فقالوا: ولهذا بشر به صلى الله عليه وسلم المسيح باسمه أحمد…
وفي هذا الكلام مناقشة من وجوه:
أحدها: أنه قد سُمي بمحمّد قبل الإنجيل، كذلك اسمه في التوراة. وهذا يقرّ به كل عالم من مؤمني أهل الكتاب …
والمقصود: أنّ اسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التّوراة (محمّد)، كما هو في القرآن، وأما المسيح عليه الصلاة والسلام فإنما سماه (أحمد)، كما حكاه الله عنه في القرآن، فإذن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمدا في التوراة، ومتقدمة على تسميته محمدا في القرآن، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما، وقد تقدم أن هذين الاسمين صفتان في الحقيقة، والوصفيّة فيهما لا تنافي العَلَمِيّة، وأن معناهما مقصود، فعُرف عند كل أمة بأعرف الوصفين عندها، فمحمد مُفَعَّل من الحمد، وهو الكثير الخصال التي يُحْمَد عليها حمدا متكررا، حمدا بعد حمد، وهذا إنما يُعرف بعد العلم بخصال الخير وأنواع العلوم والمعارف والأخلاق والأوصاف والأفعال التي يستحق تكرار الحمد عليها.
ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول، والكتاب الذي قال الله فيه: ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ )، ولهذا كانت أمة موسى أوسع علوما ومعرفة من أمة المسيح، ولهذا لا تتمّ شريعة المسيح إلا بالتوراة وأحكامها، فإن المسيح عليه السلام وأمّته محالون في الأحكام عليها، والإنجيل كأنّه مُكمِّل لها متمم لمحاسنها، والقرآن جامع لمحاسن الكتابين.
فعُرف النبي صلى الله عليه وسلم عند هذه الأمة باسم “محمد”، الذي قد جمع خصال الخير، التي يستحق أن يحمد عليها حمدا بعد حمد، وعُرف عند أمة المسيح بـ “أحمد” صلى الله عليه وسلم الذي يستحق أن يحمد أفضل مما يحمد غيره، وحمده أفضل من حمد غيره، فإن أمة المسيح عليه الصلاة والسلام أمة لهم من الرياضات والأخلاق والعبادات ما ليس لأمة موسى، ولهذا كان غالب كتابهم مواعظ وزهد وأخلاق وحضّ على الإحسان والاحتمال والصفح… ” انتهى من “جلاء الأفهام” (ص 213 — 224).
ثانيا:
وإذا ثبت أن اسم “أحمد” من أسماء نبينا صلى الله عله وسلم، جاز أن نخبر به عنه، فنقول مثلا: قال نبينا أحمد صلى الله عليه وسلم، ونحو هذا.
قال الحليمي رحمه الله تعالى:
” وإذا قال الكافر: لا إله إلا الله، أحمد رسول الله، فذلك وقوله محمد رسول الله: سواء، قال الله عز وجل: ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )، وتأويل اللفظين واحد؛ لأن أحمد هو الأحق بالحمد، ومحمد هو البليغ فيما يُحمد، وإنما يكون الأحق بالحمد، البليغ فيما يُحمد، والبليغ في الحمد أحق بالحمد من المقصر فيه، فلا فرق بين أحمد ومحمد.
وإن قال: أبو القاسم رسول الله؛ فكذلك. والله أعلم ” انتهى من “المنهاج في شعب الإيمان” (1 / 140).
وأما في الأذكار الشرعية فيُلتَزم بالاسم الوارد فيها؛ لأن ألفاظها توقيفية.
عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ.
قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ) رواه البخاري (247)، ومسلم (2710).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال: “الرسول” بدل “النبي”: أن ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به، وهذا اختيار المازري، قال: فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات، فيتعين أداؤها بحروفها ” انتهى من “فتح الباري” (11/112).
ويتأكد الالتزام باللفظ الوارد: في التشهد والأذان، فكان الصحابة يتعلمون التشهد ويعلمونه كما يتعلمون القرآن كلمة كلمة.
كما في حديث عَبْد بْن مَسْعُودٍ، قَالَ: ( عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ … ) رواه البخاري (6265)، ومسلم (402).
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ … ) رواه مسلم (403).
وعَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: ( كَانَ عَبْدُ اللهِ – ابن مسعود – يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاَةِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَأْخُذُ عَلَيْنَا الأَلِفَ وَالْوَاوَ ) رواه ابن أبي شيبة (3/154)، وصححه محققو المصنف.
ولذا نص جمع من أهل العلم أن الصلاة على النبي في الصلاة تصح باسم محمد كما ورد في السنة، دون اسم أحمد.
قال ولي الدين العراقي رحمه الله تعالى:
” قولهما في أقل الصلاة: (اللهم؛ صلِّ على محمد): لا يتعين هذا اللفظ، فلو قال: (صلى الله على محمد، أو صلى الله على رسوله) .. أجزأه، وكذا (على النبي) ؛ دون (أحمد) ، على الأصح فيهما في ” التحقيق ” و” الأذكار ” للنووي” انتهى من “تحرير الفتاوى” (1/261).
ولعل من أقوى أسباب الاقتصار على الاسم الوارد في مواطن الذكر = محمد، صلى الله عليه وسلم = : أنه لم يعرف عن أحد من السلف، الصحابة أو التابعين، أو من بعدهم من أئمة الهدى: أنه استعمل غيره في هذا المواطن؛ بل ولا في غيرها أيضا؛ فلم يعلم أن أحدا من الصحابة حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير منصب النبوة، أو اسمه الأشهر “محمد”، فلم يقولوا “أحمد”، وإن كان هو كذلك؛ لكنهم جروا على أشهر أسمائه في كتاب الله، وعندهم، وعند العرب أيضا.
والأذان شعار فالأصل فيه عدم التغيير، وهذا سبيل المؤمنين من عهد النبوة.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء”:
” الأذان عبادة من العبادات والأصل في العبادات التوقيف وأنه لا يقال: إن هذا العمل مشروع، إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع…
إذا علم ذلك فالأذان الشرعي الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خمس عشرة جملة هي: – الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. هذا هو الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يؤذن به كما ذكر ذلك أهل السنن والمسانيد …
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن منيع ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ” انتهى. “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى” (6 / 94 – 96).
واسم نبينا صلى الله عليه وسلم في الأذكار كالتشهد والأذان وارد على سبيل المدح والثناء والاشارة إلى أنه المختار المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن اسم محمد في مثل هذه المواضع أنسب.
قال الشيخ محمد الأمين الهرري رحمه الله تعالى:
” فإن قلت: لم خص لفظ محمد فيها - أي في الصلاة عليه -دون أحمد ومحمود؟
قلتُ: خص لفظ محمد من بين أسمائه؛ لأن معناه: المحمود مرة بعد أخرى، فناسب مقام المدح والثناء ” انتهى من “تفسير حدائق الروح والريحان” (23/103).
والخلاصة:
تبشير عيسى عليه السلام ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم بذكره باسمه “أحمد”، قيل: لأن أحمد دالة على أنه أحمد الحامدين، وبه استحق أن يكون محمدا أي محمودا، فصفة أحمد سابقة على صفة محمد.
وقد ضعّف ابن القيم هذا الرأي، ورأى أنه صلى الله عليه وسلم ذكر في قوم عيسى باسم “أحمد”؛ لأن هذه الصفة تناسب حالهم في التنافس في شدة الحمد لله وعبادته، فإذا كانوا يعلمون أن أفضل الخلق أحمدهم لله وأعبدهم له فمحمد صلى الله عليه وسلم سيكون أحمد الخلق جميعا، فاستحق الاصطفاء ليكون خاتم الرسل وأفضل الخلق.
ويجوز الاخبار عن نبينا صلى الله عليه وسلم باسم “أحمد” لأنه اسم له، لكن في الأذكار الشرعية يلتزم بالاسم الوارد فيها؛ لأنها عبادات والأصل في العبادات التوقف وعدم الاجتهاد فيها بالتغيير والزيادة والنقص.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب