تنزيل
0 / 0

حكم قبول المقرِض هديةً من المقترض

السؤال: 49015

اقترض مني شخص مبلغاً من المال وأهداني هدية قبل أن يرد القرض إليّ ، فما حكم قبولي لهذه الهدية ؟.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إذا كان الشخص الذي اقترض منك قد جرت العادة قبل القرض أن يهدي لك هدية ، كما لو كان صاحبك أو قريبك ونحو ذلك فلا بأس بقبول الهدية حينئذ لأنها ليست بسبب القرض .

أما إذا كان هذا الشخص لم تجر العادة بأن يهدي لك فلا يجوز لك قبولها لأنها قد تكون بسبب القرض ، فإذا قبلتها تكون قد وقعت في الربا لأن القاعدة في القرض أن "كل قرض جَرَّ نفعاً فهو ربا" وهذا القرض قد جر لك نفعاً . ينظر السؤال (30842) ، (39505) .

وأيضاً : لأنه قد يكون دفعها إليك حتى تؤجل مطالبته بالدَّيْن ، وهذا أيضاً من الربا .

وقد دل على ذلك ما رواه ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي لَهُ . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلا يَرْكَبْهَا وَلا يَقْبَلْهُ ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ) . حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/159) .

ورَوَى ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَسْلَفَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه عَشَرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ , فَأَهْدَى إلَيْهِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ ثَمَرَةِ أَرْضِهِ , فَرَدَّهَا عَلَيْهِ , وَلَمْ يَقْبَلْهَا , فَأَتَاهُ أُبَيٍّ , فَقَالَ : لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَةً , وَأَنَّهُ لا حَاجَةَ لَنَا , فَبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا ؟ ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِلَ .

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : فَكَانَ رَدُّ عُمَرَ لَمَّا تَوَهَّمَ أَنْ تَكُونَ هَدِيَّتُهُ بِسَبَبِ الْقَرْضِ , فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْقَرْضِ قَبِلَهَا , وَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي مَسْأَلَةِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ اهـ .

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3814) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قال : أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لِي : إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا . و (القَتّ) نبات تأكله البهائم .

وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة ، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/136) : "وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ (يعني الصحابة) كَأُبَيّ بن كعب وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ نَهَوْا الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ , وَجَعَلُوا قَبُولَهَا رِبًا" اهـ .

وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (6/257) :

"وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ التَّنْفِيسِ فِي أَجَلِ الدَّيْنِ (أي تأخير السداد) , أَوْ لأَجْلِ رِشْوَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ , أَوْ لأَجْلِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَنْفَعَةٌ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ ; لأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّبَا أَوْ رِشْوَةٌ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لأَجْلِ عَادَةٍ جَارِيَةٍ بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ التَّدَايُنِ فَلا بَأْسَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِغَرَضٍ أَصْلا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ" اهـ .

وذهب بعض العلماء إلى جواز أخذ المقرِض الهدية من المقترض غير أن الأفضل له أن يردها تورعاً ، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/136) : "وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَدْيُ أَصْحَابِهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ" اهـ .

فإن قلت :

هل يوجد حل آخر غير رد الهدية وغير الوقوع في الربا ؟

فالجواب : نعم ، إن أبيت إلا قبولها فأمامك أحد خيارين : إما أن تكافئه عليها بمثلها أو أكثر ، وإما أن تحتسبها من الدين ، فتسقط قيمة الهدية من الدين الذي على صاحبك .

رَوَى سَعِيدٌ بن منصور فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : إنِّي أَقْرَضْت رَجُلا بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ فَأَهْدَى إلَيَّ هَدِيَّةً جَزْلَةً . قَالَ : رُدَّ إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ ، أَوْ احْسبهَا لَهُ .

وروى سعيد بن منصور أيضاً عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إنِّي أَقْرَضْت رَجُلا يَبِيعُ السَّمَكَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا ، فَأَهْدَى إلَيَّ سَمَكَةً قَوَّمْتهَا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا . فَقَالَ : خُذْ مِنْهُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ .

انظر : "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (6/159) .

قال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع" (9/61) :

"فإن قال قائل : ما دامت المسألة حراماً فلماذا لا يردها أصلاً ؟

قلنا : لأنه قد يمنعه الحياء والخجل وكسر قلب صاحبه من الرد ، فنقول : خذها وانو مكافأته عليها بمثلها أو أكثر ، أو احتسبها من دَيْنه ، وهذا لا بأس به" اهـ بتصرف .

وما سبق من التحريم إذا كانت الهدية قبل وفاء القرض ، فإذا كنت بعد الوفاء فلا بأس بقبولها .

قال الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع" (9/59) :

"إذا أعطى هدية بعد الوفاء قليلة أو كثيرة فإن ذلك جائز" اهـ .

وانظر : "المغني" (6/437) ، "الشرح الممتع" (9/59-61) .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android