أريد أن أسال، بداية أبي شخص شحيح، ومنذ سنين عديدة وهو يستغل والدتي، فيجعلها هي من تنفق، كما إنه يجعل مشاكلهما أمامنا نحن الأبناء، ويخبر الناس بأسرارهما الشخصية، وأمورهما الحياتية التي لا يجب اطلاعها إلى أحد، إضافة إلى كونه يحرف أمورا في الدين أحيانا، ويسيء معاملتي أنا وأخوتي، كما أنه إذا تقدم أحدهم لخطبتهن فإنه يسيء الكلام، ويقوم بنشر الشائعات عنهم؛ كي لا يزوجهم، ويقوموا بالإنفاق عليه، بالنسبة لي فإني أجيد معاملته، وإذا طلب مني شيئا فإني لا أرده ما لم يكن به إثما، لكنني أشعر بالنفور منه، وقد يظهر هذا علي أحيانا دون شعور مني، وأدعو عليه في سري، وأحيانا أشتمه، رغم أنني حاولت لعدة مرات بأن أصلح بينه وبين والدتي، وبأن أرشده إلى الصواب وإلى الدين الحق في المعاملة، لكن بلا جدوى.
فهل أعد بهذا عاقّة؟ إضافة إلى إنني أعمل، وسأشتري لنفسي وأمي منزلا، فهل أعد عاقة لو طلبت منها أن تطلب الطلاق؛ لأنني ما عدت أطيق وجودهما سوية، وطلاقهما أخف الضررين وأفضل السبيلين بالنسبة لهم وبالنسبة لنا أيضا؟
والدها يسيء إلى أمها وأخواتها وهي تكرهه وتدعو عليه
السؤال: 494453
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا :
أما معاملة أبيك لأمك ، فليس من حقك أن تتدخلي فيها ، فذلك حق لوالدتك هي التي تطالب بحقها أو تسقطه كما تشاء ، كما أنه لا يجوز لك أن تطلبي منها أن تطلب الطلاق ، فإننا نخشى عليك بذلك أن يشملك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا ) رواه أبو داود (2175)، وصححه الألباني في “صحيح سنن أبي داود”.
وروى أبو داود ( 5170 ) – أيضاً – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا )، وصححه الألباني في ” صحيح سنن أبي داود”.
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله : ” ( مَن خبَّب ) : أي : خدع وأفسد ( امرأة على زوجها ) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته ، أو محاسن أجنبي عندها انتهى من “عون المعبود” (6/159).
وقال رحمه الله – أيضا – : ( مَنْ خَبَّب زوجة امرئ ) : أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها ، أو يزوجها لغيره ، أو غير ذلك ” انتهى من “عون المعبود” (14/52).
ثانيا :
أما معاملة أبيك لك فهذا هو الذي يعنيك ، فحق الوالدين عظيم ، قرنه الله تعالى بتوحيده والإيمان به ، وأمر بالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف ، حتى لو كانا مشركين ، بل حتى لو كانا يجاهدان ولدهما على أن يشرك بالله .
وقدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله في بعض أحاديثه ، وأدلة ذلك من القرآن الكريم والسنة النبوية معروفة مشهورة .
وينظر لبيانها جواب السؤال رقم: (35533).
ثالثا :
مِنْ بر الوالدين: الدعاء لهما ، في حياتهما وبعد مماتهما.
قال الله تعالى: (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء/24.
فالواجب عليك أن تدعي له، لا عليه.
فالدعاء عليه مما يخالف هذه الآية ، وهو من أشد العقوق، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه أن عاق والديه لن يدخل الجنة . ( ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر، والعاق لوالديه: والدَّيُّوث الذي يقر الخبث في أهله ) رواه أحمد بإسناد حسن.
وإذا كان المسلم إذا لم يسب ، والديه ولكنه تسبب في سبهما ، فإنه يكون قد ارتكب أمرا عظيما ؛ فكيف إذا سبهما هو بنفسه ؟!
ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من الكبائر شتم الرجل والديه ) ، قيل : يا رسول ، وهل يسب الرجل والديه ؟ قال : ( نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه) رواه البخاري (5973)، ومسلم (130).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
“فجعل صلى الله عليه وسلم التسبب في سب الوالدين سبّاً لهما، فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية ببر الوالدين ، والإحسان إليهما ، ولا سيما عند الكِبَر، والحاجة إلى العطف والبر والخدمة ، مع الحذر كل الحذر من عقوقهما والإساءة إليهما بقول أو عمل” . انتهى من ” مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ” (8/ 306 – 307).
وبهذا يتبين أن سب الوالدين والدعاء عليهما وتمني الشر لهما: من كبائر الذنوب .
وإذا كنت تنكرين على والدك تصرفاته الخاطئة ، فلا تخطئي أنت ، وداومي على فعل الصواب .
رابعا :
أما كرهك لوالدك ، فلا يجوز لك أن تتسببي في ذلك ، ولا أن تَزيديه ، بأن تديمي التفكير في تصرفاته وأخطائه ، فإن ذلك مما يجلب الكره ، بل اصرفي تفكيرك عن أخطائه .
فإن غُلبت ، ووقع في قلبك شيء من الكره فلا تلامين عليه ، بشرط ألا يوقعك ذلك في العقوق ، فعليك أن تمسكي لسانك وتصرفاتك ، مع مجاهدة ما وقع في نفسك من الكره ، والسعي للتخلص منه ، لأنه لن يعينك على برك بوالدك ، بل بالعكس سيؤدي بك إلى عقوقه .
خامسا :
أفضل نصيحة لمعاملة من أساء إلى الإنسان أن يرد عليه بالحسنى ، لا بالإساءة مثله .
قال الله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصلت/34.
قال ابن كثير رحمه الله :
” قال تعالى مرشدًا إلى التِّرْياق النافع في مخالطة الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء، ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة، فقال: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ، وهذا كما قال في الآية الأخرى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 34، 35] : أي ما يلهم هذه الوصية أو الخصلة أو الصفة إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا أي: على أذى الناس، فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم إليهم القبيح، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي: في الدنيا والآخرة” انتهى.
وإذا كان ذلك في حق أي إنسان ، فحق الوالدين أعظم ، فاجتهدي في الإحسان إلى والدك ، وانصحي أخواتك بذلك ، فهذا هو سبيل الإصلاح .
نسأل الله تعالى أن يصلح شأنكم ، ويهدي والدكم .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة