لقد أخذت عهدا مع الله تعالى بألا أشاهد الأفلام الإباحية لمدة سنة، ولكن نفسي غلبتني، وشهدتها، وصمت ثلاثة أيام لأكفرها، ولكن هل تتكرر الكفارة بتكرر الفعل؟
عاهد الله ألا يفعل معصية مدة سنة، وحنث، فهل تتكرر الكفارة؟
السؤال: 497846
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من عاهد الله ألا يفعل شيئا، فهو يمين، والعهد آكد من اليمين؛ لقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء/34
وقال تعالى: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ*فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) التوبة/ 75 – 77.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (9/ 401): ” قال أحمد: العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا).
ويَتقرب إلى الله تعالى إذا حلف بالعهد، وحنث، ما استطاع.
وعائشة أعتقت أربعين رقبة، ثم تبكي حتى تبل خمارها، وتقول: واعهداه ” انتهى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ” إذا قال: أعاهد الله أني أحج العام، فهو نذر، وعهد، ويمين.
وإن قال: لا أكلم زيدا؛ فيمين، وعهد، لا نذر.
فالأيمان: إن تضمنت معنى النذر، وهو أن يلتزم لله قربة؛ لزمه الوفاء بها ” انتهى من ” المستدرك على مجموع الفتاوى ” (5/144).
وحيث إنك حنثت في عهدك، فتلزمك كفارة يمين.
ولا تتكرر هذه الكفارة، لخلو يمينك وعهدك من لفظ يفيد التكرار، فقولك: أعاهد الله ألا أفعل كذا إلى سنة، كقولك: والله لا أفعل كذا إلى سنة، وهذا لا تلزم فيه إلا كفارة واحدة عند الحنث.
والكفارة: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام.
والواجب أن تتقي الله تعالى، وأن تحذر عقابه؛ وأن تدع الحرام خوفا من الله تعالى، كما قال عن أوليائه: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات/40، 41
وقال: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) ق/31-35.
وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/12-14.
فاستحِ من الله الذي يراك، ولا تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك.
روى أحمد في الزهد (46) والبيهقي في ” شعب الأيمان ” (6/ 145) والطبراني في ” المعجم الكبير ” (7738)، عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: (أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ) .
وصححه الألباني في “الصحيحة” (741).
قال المناوي رحمه الله: ” (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك) قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة، وأبْين دلالة، بأوجز إيجاز، وأوضح بيان؛ إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح، وذوي الهيئات والفضل؛ أن يراه وهو فاعله، والله مطلع على جميع أفعال خلقه، فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه: تجنَّب جميع المعاصي، الظاهرة والباطنة، فيا لها مِن وصية ما أبلغها، وموعظة ما أجمعها” انتهى من ” فيض القدير ” (3/ 74).
وأكثر من الدعاء الوارد في حديث عمار: (اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ) رواه النسائي (1305) وأحمد (18325) وصححه الألباني في “صحيح النسائي”.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب