الشرب من زمزم مستحب وليس واجبا
السؤال: 49791
أنوي إن شاء الله أن أعتمر في شهر رمضان المبارك ، ومن المقرر أن أصل لمكة ظهرا براً ، كما هو معلوم بأنه يجب أن يرتوي المعتمر بماء زمزم بعد الصلاة خلف مقام إبراهيم في الأيام العادية ، لكن في رمضان وأنا أنوي الصوم وعدم الإفطار فكيف أشرب ماء زمزم ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
الشرب من ماء زمزم ليس واجبا ، بل هو مستحب وليس استحبابه خاصا
بما بعد صلاة الركعتين خلف المقام ، بل الشرب من زمزم مستحب في كل وقت .
قال شيخ الإسلام في ” مجموع الفتاوى” (26/144) :
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيَتَضَلَّعَ
مِنْهُ وَيَدْعُوَ عِنْدَ شُرْبِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ
اهـ .
وقال الموفق في “المغني” .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ , فَيَشْرَبَ مِنْ
مَائِهَا لِمَا أَحَبَّ , وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ . قَالَ جَابِرٌ , فِي صِفَةِ حَجِّ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَهُمْ
يَسْقُونَ , فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا , فَشَرِبَ مِنْهُ اهـ .
ومعنى (يَتَضَلَّعَ) أي يكثر من الشرب حتى يمتلئ جنبه وأضلاعه .
حاشية السندي على ابن ماجه .
وقال النووي في “المجموع” :
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ : يُسْتَحَبُّ
أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ , وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ , وَأَنْ يَتَضَلَّعَ
مِنْهُ – أَيْ يَتَمَلَّى – وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبَاتِهِ مِنْ
أُمُورِ الآخِرَةِ وَالدُّنْيَا , فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَهُ لِلْمَغْفِرَةِ
أَوْ الشِّفَاءِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ ذَكَرَ
اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى , ثُمَّ قَالَ ( اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ
رَسُولَك صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ
اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لِي , اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي أَوْ
اللَّهُمَّ إنِّي أَشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ مِنْ مَرَضٍ , اللَّهُمَّ
فَاشْفِنِي ) وَنَحْوَ هَذَا , وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَفَّسَ ثَلاثًا كَمَا فِي
كُلِّ شُرْبٍ , فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ .
وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (16/138) :
يستحب للحاج والمعتمر وغيرهما أن يشرب من ماء زمزم إذا تيسر له
ذلك اهـ .
فعلى هذا إذا اعتمرت وأنت صائم فلا حرج عليك من عدم الشرب من
زمزم ، وليكن شربك منها بعد الإفطار .
ثانياً :
إذا كنت مسافراً إلى مكة للعمرة فإن المسافر يجوز له الفطر
والصيام بإجماع العلماء ، واختلفوا في الأفضل ، وسبق في إجابة السؤال (20165)
أن الأفضل هو الأيسر ، فمن لم يشق عليه فالصوم أفضل . ومن شق عليه الصيام مع السفر
فالفطر أفضل ، لاسيما والمعتمر يحتاج إلى قوة ونشاط حتى يؤدي العمرة على وجه كامل ،
بدعائها وخشوعها .
ويخطئ بعض المعتمرين حيث يشقون على أنفسهم فيعتمرون وهم صائمون
مع مشقة الصيام عليهم مما يؤثر على أدائهم العمرة ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان مفطراً يوم عرفة .
قال الشوكاني :
صَوْم ْيَوْم عرفة مُسْتَحَبّ لِكُلِّ أَحَد ، مَكْرُوه لِمَنْ
كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا . وَالْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ
مُؤَدِّيًا إِلَى الضَّعْف عَنْ الدُّعَاء وَالذِّكْر يَوْم عَرَفَة هُنَالِكَ
وَالْقِيَام بِأَعْمَالِ الْحَجّ اهـ .
وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم
الجمعة منفرداً .
قال النووي :
يُكْرَه إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ إِلا أَنْ
يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ , فَإِنْ وَصَلَهُ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ , أَوْ
وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَبَدًا
, فَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة لَمْ يُكْرَهْ ..
قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْهُ : أَنَّ
يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ : مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير
إِلَى الصَّلَاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر
بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ
فَانْتَشَرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ
كَثِيرًا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر
فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِف وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ
وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلا سَآمَةٍ , وَهُوَ
نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر كَمَا
سَبَقَ تَقْرِيره لِهَذِهِ الْحِكْمَة , فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ
يَزُلْ النَّهْي وَالْكَرَاهَة بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ
الْمَعْنَى , فَالْجَوَاب : أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْم الَّذِي
قَبْله أَوْ بَعْده مَا يَجْبُر مَا قَدْ يَحْصُل مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي
وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي
الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة اهـ . باختصار
.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص464) : عن
المسافر إذا وصل إلى مكة صائما فهل يفطر ليتقوى على أداء العمرة ؟
فأجاب :
نقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في العشرين من رمضان
من عام الفتح ، وكان عليه الصلاة والسلام مفطرا . .
وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفطرا
بقية الشهر ، لأنه كان مسافرا ، فلا ينقطع سفر المعتمر بوصوله إلى مكة ، ولا يلزمه
الإمساك إذا قدم مفطرا ، وقد يكون بعض الناس مستمرا في صيامه حتى في السفر ، نظرا
إلى أن الصيام في السفر في الوقت الحاضر ليس بشاق على الأمة ، فيستمر في صيامه في
سفره ثم يقدم مكة ويكون متعبا ، فيقول في نفسه هل أستمر على صيامي، وأؤجل العمرة
إلى ما بعد الفطر ، أم أفطر لأجل أن أؤدي العمرة فور وصولي إلى مكة ؟
فنقول له في هذه الحال : الأفضل أن تفطر لأجل أن تؤدي العمرة فور
وصولك إلى مكة وأنت نشيط ؛ لأن السنة لمن قدم مكة لأداء نسك أن يبادر فورا لأداء
هذا النسك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة وهو في نسك بادر إلى
المسجد ، حتى كان ينيخ راحلته عند المسجد ، ويدخله ليؤدي نسكه الذي كان متلبسا به ،
فكونك أيها المعتمر تفطر لتؤدي العمرة بنشاط في النهار ، أفضل من كونك تبقى صائما ،
ثم إذا أفطرت في الليل قضيت عمرتك ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان
صائما في سفره لغزوة الفتح فجاء إليه الناس وقالوا : يا رسول الله إن الناس قد شق
عليهم الصيام ، وإنهم ينتظرون ماذا تفعل ، وكان ذلك بعد العصر ، فدعا النبي صلى
الله عليه وسلم بماء فشربه ، والناس ينظرون ، فأفطر النبي صلى الله عليه وسلم في
أثناء السفر ، بل أفطر في آخر اليوم ، كل هذا من أجل أن يبين للأمة أن ذلك جائز ،
وتكلف بعض الناس الصوم في السفر مع المشقة خلاف السنة لا شك ، وينطبق عليه قول
النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس من البر الصيام في السفر) اهـ .
فإذا كان صومك في السفر سيؤثر على أدائك العمرة فالأفضل لك
الإفطار وقضاء ذلك اليوم .
والله اعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة