دخلت المسجد لأداء صلاة التراويح، وصلينا بعد العشاء على جنازة، هل الأفضل الخروج لاتباعها،
أم البقاء لصلاة التراويح؟ وهل كان الأجدر بالإمام تأخير الصلاة على الجنازة بعد
أداء التراويح ليتسنى للمصلين اتباعها؟
أيهما يقدم: صلاة التراويح أم اتباع الجنازة؟
السؤال: 498800
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يستحب تكثير المصلين على الجنازة؛ لما روى مسلم (947) عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ).
وروى مسلم (948) عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ – أَوْ بِعُسْفَانَ – فَقَالَ: يَا كُرَيْبُ، انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَخْرِجُوهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (7/ 17): “قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه) وفي رواية: (ما من رجل يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه) وفي حديث آخر: (ثلاثة صفوف) رواه أصحاب السنن.
قال القاضي: قيل: هذه الأحاديث خرجت أجوبةً لسائلين سألوا عن ذلك، فأجاب كلَّ واحد منهم عن سؤاله، هذا كلام القاضي.
ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بقبول شفاعة مِائةٍ، فأَخبر به، ثم بقبول شفاعة أربعين، ثم ثلاثة صفوف، وإن قل عددهم، فأَخبر به.
ويحتمل أيضا أن يقال: هذا مفهوم عدد، ولا يحتج به جماهير الأصوليين، فلا يلزم من الإخبار عن قبول شفاعة مائة، منعُ قبول ما دون ذلك، وكذا في الأربعين مع ثلاثة صفوف.
وحينئذ؛ كل الأحاديث معمول بها، وتحصل الشفاعة بأقل الأمرين، من ثلاثة صفوف، وأربعين” انتهى.
وعلى ذلك؛ فيستحب تأخير الصلاة على الجنازة وقتا يسيرا لتحصيل العدد الكثير.
ثانيا:
الصلاة على الجنازة ثوابها عظيم، وكذلك تشييعها حتى تُدفن، كما روى البخاري (1325) ومسلم (945) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ)، قِيلَ: وَمَا القِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ).
ولمسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ) قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ).
ويستحب الإسراع بالجنازة وعدم تأخيرها.
ولهذا فقد أصاب أهلها في الصلاة عليها بعد الفريضة، وحملها، وعدم انتظار التراويح؛ فقد روى البخاري (1315) ومسلم (944) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ – لَعَلَّهُ قَالَ – تُقَدِّمُونَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ تَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ).
ثالثا:
إذا انصرف أهل الميت لدفن ميتهم، وأقيمت صلاة التراويح، فإن كان يمكن أداؤها جماعة بعد الدفن في نفس المسجد أو في مسجد آخر، فإن الأولى اتباع الجنازة، وتأخير التراويح؛ جمعا بين الفضيلتين، لا سيما وتأخير التروايح عن أول الليل أفضل، كما روى البخاري (2010) “قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ”.
وإن كان لا يمكن أداؤها جماعة، فالأولى كذلك أن يتبع الجنازة؛ لأنها فضيلة تفوت، وأما التراويح فيمكن صلاتها منفردا.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “حصل في هذا اليوم جنازة قبل صلاة التراويح، فأيهما أفضل أن نتبع الجنازة أم نصلي صلاة التراويح؟ وما هو الأفضل بالنسبة للإمام هل يؤجل صلاة الجنازة إلى ما بعد التراويح أم يعجل بها؟
فأجاب: تعارض الآن عندنا شيئان، وكلاهما له فضل، اتباع الجنازة والثاني التراويح، فهل نتبع الجنازة وندع التراويح أم العكس؟
ننظر، التراويح لو فوتها الإنسان لم يفته إلا صلاة الجماعة فقط؛ لأنه يمكن أن يتهجد في بيته، له من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. والجنازة لو فوَّتها، أو بقي في التراويح فاتت.
وعلى هذا التعليل؛ يقدم الجنازة.
ولكن إذا كان يخشى أنه إذا ذهب مع الجنازة تكاسل وفاته التهجد، فليبق؛ إلا إذا اضطر إلى الخروج مع الجنازة بأن لم يكن معها من يقوم بالكفاية، فحينئذٍ يتبع الجنازة” انتهى من اللقاء الشهري (71/ 11).
وسئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله: “أيهما أفضل إتمام صلاة التراويح أو تشييع الجنازة؟
فأجاب: أرى أن تشييع الجنازة أفضل؛ لأنه يفوت وغير مستمر، أما التراويح ففي الإمكان قضاؤها ولو منفرداً.
ولا شك أن أقارب الميت يتعين عليهم تشييعه ودفنه فهو فرض كفاية” انتهى .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب