0 / 0
81605/03/2024

يتصدق الناس على أيتامها، فهل تأخذ من هذا المال؟

السؤال: 499446

زوجي توفاه الله تعالى بحادث مروري وهو مسافر للعمل في دولة الخليج، ولم يترك لنا مالا، وإخوته وبعض أصدقائه يرسلون لنا مبلغا؛ لأن أطفالي صغار؛ 5 سنوات، و3 سنوات.
فهل يحق لي الأخذ من هذا المال لأتصدق عن نفسي وعن زوجي المتوفي، وهل يمكن أن أعطي لأختي مبلغا بسيطا منه؛ لأن ظروفها صعبة، وعندها مرض؟ أم إنه خاص بالأيتام، ويجب علي أن لا أصرف إلا في حاجتهم؟
مع العلم ليس لي من يعولني، وقد أصبح لدي مثل الوسواس، لا أعلم هل أنفق وأتصدق أم لا، حتى عندما يأتي إلي ضيوف أكون خائفة، هل أكرمهم من هذا المال، أم ماذا أفعل، وإذا جاء أحد ليطلب مني سلفة لا أعلم أعطي أم أمنع، حتى ابنتي الصغيرة عندما تريد إعطاء أحد هدية أكون في حيرة، وأريد أن أعود أطفالي على البذل والعطاء، وأن يكونوا هم اليد العليا، ولكن أيضا أخشى أن أفرط في حق اليتامى.
فهل أنا مفرطة؟ وما حدودي في الإنفاق من هذه الأموال؟ وهل تعتبر خاصة بالأيتام، التي ورد فيها قول الله تعالى (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)؟
والله إني أخاف أن أكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً، علما أن أخوة زوجي يقولون هذا المال الذي نرسله هو لك ولأولادك.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

الغالب على المتبرعين بالمال في مثل حالتك أنهم يقصدون الأم وأولادها جميعا، وقد صرح إخوة زوجك لك بذلك. ومن المستبعد أن أحدا يتبرع ليتيم، ويعطي المال لوالدته، لتنفق منه على اليتيم، ولا تنفق منه على نفسها، وهو يعلم أنها ليس لها مصدر للدخل ، ومحتاجة إلى شيء من هذا المال.

وعلى هذا ؛ فهذا المال يكون لك ولأطفالك.

ثانيا :

ما كان من مالٍ لمجموعة أشخاص، ولم يحدد نصيب كل واحد منهم ، فالأصل أن المال يقسم عليهم بالتساوي .

قال ابن نجيم رحمه الله :

“ما ثبت لجماعة فهو بينهم على سبيل الاشتراك” انتهى من “الأشباه والنظائر” (ص 183) .

قال الشيخ الدكتور البورنو في “موسوعة القواعد الفقهية” (10/575) :

“فإذا أضيف شيء إلى اثنين، ولم يُبَيَّنِ القدرُ الذي يستحقه كلُّ واحد منهما ، فإنه يكون لكل واحد منهما النصف، وإذا أضيف إلى ثلاثة، فلكل واحد منهم الثلث … وهكذا” انتهى . 

وعلى هذا ؛ يكون لك ثلث المال، ولأطفالك الثلثان.

فالثلث الذي يخصك: هو ملك لك، فلك أن تتصرفي فيه بالنفقة عليك، ولا مانع أن تتصدقي منه، أو تقرضي، أو تساعدي أختك؛ إن بقي منه بعد نفقاتك وحاجاتك الحياتية ما يسع أن تتصدقي منه أو تهدي، أو تقرضي.

أما ما يخص الأطفال، فلا يجوز إنفاقه إلا في مصلحتهم وحاجتهم، لقول الله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) الأنعام/152.

فلا يجوز التبرع بشيء منه، ولا الصدقة، ولا الهدية.

وجاء في “الموسوعة الفقهية” (43/198) : “ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه ليس للوصي أن يتبرع بمال الصغير، سواء أكان بالصدقة أم بالهبة بغير عوض؛ لأن التبرع بمال الصغير لا حظ له فيه، وأنه ينافي مقصود الوصاية من الحفاظ على المال وتنميته، والتصرف بما فيه نفع يعود على الصغير، مستندين في ذلك إلى قوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؛ فقد نهى عن قربان مال اليتيم إلا بما فيه مصلحة له، والتبرع بالمال لا مصلحة لليتيم فيه، بل هو تصرف في ماله على غير الوجه الذي أمر الله به، فيكون ممنوعاً ومنهيا عنه” انتهى.

لكن إذا كان التبرع بشيء يسير ليس له خطر، بحسب حالكم، كما لو أرادت ابنتك الصغيرة أن تهدي أحدا قطعة من الحلوى ونحو ذلك، فلا بأس به، أما ما زاد على ذلك فلا يجوز.

ثالثا :

أما الإقراض من مال اليتيم فلا يجوز كذلك، إلا إذا كان الإقراض فيه مصلحة لليتيم.

ومن صور مصلحة اليتيم في الإقراض من ماله: أن يكون المال زائدا عن حاجته، ويخشى إن بقي المال في البيت أن يسرق أو يعتدي عليه ظالم فيأخذه …. ونحو ذلك، فلا بأس بالإقراض حينئذ، لأن فيه حفظا لمال اليتيم، ولكن بشرط أن يكون الإقراض لشخص مليء  قادر على الوفاء، لا مانع من استيفاء الدين منه؛ حتى لا يضيع المال على اليتيم.

قال ابن قدامة رحمه الله :

“فَأَمَّا قَرْضُ مَالِ الْيَتِيمِ ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ لَهُ، لَمْ يَجُزْ قَرْضُهُ … فإِنْ كَانَ قَرْضُهُ حَظًّا لِلْيَتِيمِ ، جَازَ …

قَالَ الْقَاضِي : وَمَعْنَى الْحَظِّ أَنْ يَكُونَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فِي بَلَدِهِ ، فَيُرِيدُ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ ، فَيُقْرِضُهُ مِنْ رَجُلٍ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ ، لِيَقْضِيَهُ بَدَلَهُ فِي بَلَدِهِ ، يَقْصِدُ بِذَلِكَ حِفْظَهُ مِنْ الْغَرَرِ فِي نَقْلِهِ ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ مِنْ نَهْبٍ ، أَوْ غَرَقٍ ، أَوْ نَحْوِهِمَا ، أَوْ يَكُونُ مِمَّا يَتْلَفُ بِتَطَاوُلِ مُدَّتِهِ ، أَوْ حَدِيثُهُ خَيْرٌ مِنْ قَدِيمِهِ، كَالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا، فَيُقْرِضُهُ خَوْفًا أَنْ يُسَوِّسَ، أَوْ تَنْقُصَ قِيمَتُهُ، وَأَشْبَاهِ هَذَا، فَيَجُوزُ الْقَرْضُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لِلْيَتِيمِ فِيهِ حَظٌّ فَجَازَ، كَالتِّجَارَةِ بِهِ .

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إرْفَاقَ الْمُقْتَرِضِ، وَقَضَاءَ حَاجَتِهِ : فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْيَتِيمِ، فَلَمْ يَحُزْ كَهِبَتِهِ …

وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا : لَهُ قَرْضُهُ ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِمَلِيءٍ أَمِينٍ ، لِيَأْمَنَ جُحُودَهُ ، وَتَعَذُّرَ الْإِيفَاء” انتهى من “المغني” (6/344) .

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء (14/221) : ” يوجد لديه فلوس لأيتام والفلوس هذه موضوعة في أحد بنوك المملكة دون فائدة لهؤلاء الأيتام ، وحضر أحد المواطنين يطلب من هذه الفلوس سلف مبلغ وقدره ستون ألف ريال وعندئذ قال: أنا سوف أقوم بهذه الفلوس تقسيط على (35 شهر) وكل شهر قسط بمقدار (2400) ، وقال : أنا سوف أعطي الأيتام من خاطري مقدار (12000 ريال) زود على فلوسهم ، وهذا من خاطري وليس شرطاً ، بل ما دام إنها سوف تجلس مدة يمكن هذا ما فيه شيء .

فأجابت : إذا كان الواقع كما ذكرت ، فلا يجوز لك أن تقرض من مال الأيتام لا للمذكور ولا لغيره، ولا مع نية أن يكافِئهم بزيادة ، ولا بعدم نية ، ولكن يشرع لك التماس من يتَّجر فيها بجزء مشاع معلوم من ربحها ، كالنصف ونحوه ، بشرط أن يكون من الثقات .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وحبه وسلم.

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز … الشيخ عبد الرزاق عفيفي… الشيخ عبد الله ابن غديان … الشيخ عبد الله بن قعود” انتهى.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android