هل تفسير الأحلام في النفس دون التكلم بها يعد تفسيرًا ويقع وفق حديث الرؤيا على رجل طائر؟
هل تقع الرؤيا وفق تفسيرها، وماذا لو فسرها في نفسه دون تحدث؟
السؤال: 503970
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
اختلف أهل العلم في حديث (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت) رواه الترمذي (2278) وصححه الألباني، وحسنه محققو المسند. وضعفه الشيخ ابن باز.
وعلى القول بصحته، فليس معناه أن أي شخص عرضت عليه الرؤيا فعبرها أنها تقع، وإنما المراد إذا عبرها من يحسن التعبير، ويدل لذلك حديث ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يحدِّث: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ… -وذكر الرؤيا-. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لتدعنِّي فَأَعْبُرَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اعْبُرْهَا). -فعبرها أبوبكر-ثم قال: فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا) روا البخاري (6639).
ويفهم من الحديث أنّ بعض تفسير أبي بكر ليس بصحيح، ولن يقع لأنه خطأ، وأن التعبير الذي يقع هو ما كان صواباً؛ ولذا بوب البخاري على هذا الحدي بقوله ” بَاب: مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ”.
قال ابن قتيبة، رحمه الله: “ونحن نقول: إن هذا الكلام خرج مخرج كلام العرب، وهم يقولون للشيء إذا لم يستقر: هو على رِجْل طائر، وبين مخاليب طائر، وعلى قرن ظبي؛ يريدون: أنه لا يطمئن ولا يقف.
قال رجل في الحجاج بن يوسف:
كأن فؤادي بين أظفار طائر … من الخوف في جو السماء محلق
حذار امرئ قد كنت أعلم أنه … متى ما يعد من نفسه الشر يصدق
….
وكذلك الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، يراد أنها تجول في الهواء حتى تعبر، فإذا عبرت وقعت.
ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر، وإنما أراد بذلك العالم بها، المصيب الموفق.
وكيف يكون الجاهل المخطئ في عبارتها، لها عابرا، وهو لم يصب ولم يقارب؟ وإنما يكون عابرا لها، إذا أصاب.
يقول الله عز وجل: إن كنتم للرؤيا تعبرون 7، يريد: إن كنتم تعلمون عبارتها”. انتهى، من “تأويل مختلف الحديث” (484).
وجاء في “الفائق في غريب الحديث” (3/ 281): “لَيْسَ الْمَعْنى أَن كل من عبَّرها وَقعت على مَا عبَّر، وَلَكِن إِذا كَانَ العابر الأول عَالما بِشُرُوط الْعبارَة، فاجتهد وأدَّى شرائطها ووُفق للصَّوَاب: فَهِيَ واقعةٌ على مَا قَالَ دون غَيره”
وأما حديث (الرؤيا لأول عابر): فحديث ضعيف رواه ابن ماجه (3915) وضعفه الألباني.
ثانياً:
الذي يظهر يظهر أنّ تفسير الحلم في النفس بما ينقدح في نفس المعبر للرؤيا ليس تعبيراً، فإذا أخبر عنه تكون الرؤيا عُبّرت، سواء صواب أم خطأ، فمجرد تفسير النفس، ليس عبارة عن الرؤيا، ولا تفسيرا له، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم من رأى شيئا يكرهه في منامه، أن يحدث بها غيره.
ثالثاً:
الذي يُنصح به في التعامل مع ما يراه الإنسان في منامه هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا رأى ما يسره أخبر به من يحب، وإذا رأى ما يكره تعوذ بالله من الشيطان ونفث عن يسار.
فعن أبي سَلَمَةَ، أنه قال: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ، وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا، وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ) رواه البخاري (6637).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وليحدِّث بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لأحد، فإنها لا تضره) رواه البخاري (6584).
قال الشيخ ابن عثيمين: “والذي أنصح به إخواننا ألا يهتموا بهذا الأمر كثيراً، لأنهم إذا اهتموا بهذا كثيراً لعب بهم الشيطان في منامهم، فيأتيه كل ليلة يريه رؤيا تفزعه، ثم يطلب من يؤولها أو من يعبرها، والإعراض عن هذا أحسن بكثير، وإذا رأى ما يكره فلا يحاول أن تعبر له، بل يفعل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: (أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت) ولا يخبر أحداً بهذا، وحينئذٍ لا تضره شيئاً، قال الصحابة رضي الله عنهم: [كنا نرى الرؤيا في المنام ونمرض منها، فلما حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث استرحنا] إذا رأيت ما تكره فافعل هذا، ولا تحرص على ملاحقة الرؤى” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (207/ 13 بترقيم الشاملة).
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب