تنزيل
0 / 0
62005/06/2024

هل يلزم التقيد بفتوى المعلم؟

السؤال: 507122

معلمتي التي أتعلم عندها القرآن تطلب مني أن أتبعها في أقوال فقهية لكني أخالفها فيها وهي تقول إنه لا يسوغ لي مخالفتها فهل هذا صحيح؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:

الواجب على العامي الاستفتاء، واتباع العلماء. ودليل ذلك قول الله تعالى: فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ النحل/ 43.

والذي يَسأل إنما هو من لا يعلم؛ لأن الأمر معلق بعلة عدم العلم.

وقوله تعالى: وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ النساء/ 83 .

ومن أدلة ذلك أيضًا: إجماع الصحابة: فإنهم كانوا يفتون العوام، ولا يأمرونهم بنيل رتبة الاجتهاد، وذلك معلوم ضرورة والتواتر من علمائهم وعوامهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “واجتهاد العامة هو طلبهم العلم من العلماء، بالسؤال والاستفتاء، بحسب إمكانهم” انتهى، من “جامع الرسائل” (2/318).

والعامي لا يستفتي إلا من عرفه بالعلم، والعدالة.

فإذا علم انتفاء أحد الوصفين فيه: امتنع تقليده، اتفاقا. لأن مجهول الحال في العلم لا يجوز تقليده ولا العمل بفتواه، لأنا لا نأمن أن يكون حال المسؤول كحال السائل في العامية المانعة من قبول القول، بل قد يكون أجهل من السائل، وهذا الاحتمال قوي؛ لأن الأصل عدم العلم؛ حيث إن الغالب على معلمي القرآن: إنما هم العوام؛ لذلك لابد أن يسأل عنه فإن كان عالما قلده، وإلا فلا.

ثانيًا:

ذكر العلماء شروط من يصلح للفتوى، فهي مقام عظيم وتوقيع عن رب العالمين ولا يتصدر لها كل أحد.

ومع صعوبة تحقيق تلك الشروط في عصرنا، فإن المرتبة التي تنطبق على كثير من المفتين أن يكونوا من ” الممارسين للفتاوى، وتدربوا فيها، بحيث يقتدرون على إلحاق جزئيات الحوادث الغير مسطورة في كتب المذهب، بالمسطورة فيها .. وإلا لما جاز العمل بفتواهم.

ولكنهم مع ذلك ليس لهم في الاجتهاد شيء، والعامل بفتواهم مقلد لإمامهم، وهم مجرد واسطة في بيان أن الحادثة المذكورة من جملة ما اندرج في قواعد إمامه أو تحت العلة المسطورة في المذهب، … ويجوز لهم قياس الحوادث غير المنصوصة على المنصوصة، فيما يقطع فيه بعدم الفارق، فيما نص عليه إمامه، أو مجتهدي مذهبه…” انتهى، من “النفحات على شرح الورقات” (ص160).

ثالثًا:

مع التسليم بكون المعلمة ممن بلغ تلك المرتبة، فلا يلزمك سؤالها؛ إلا أن تكون هي الوحيدة في بلدك، فإن كانوا جماعة، فلك أن تسألي أيهم شئتِ، ما دام أهلا للفتوى، عالما فاضلا، ديِّنا أمينا.

ولا يلزمك مراجعة الأعلم والأفضل، دائما؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كان فيهم الفاضل والمفضول، وكان فيهم العوام، وكان العوام يسألون المفضول مع وجود الفاضل، بدون نكير من أحد. فهذا واضح الدلالة على أن العامي والمستفتي له أن يتخير بين الفاضل والمفضول.

وأما قولها أنه لا يسوغ لك مخالفتها: فهذا أيضا غير صحيح، فلا يجوز للمستفتي العمل بمجرد فتوى المفتي، إذا لم تطمئن نفسه إليها، أو كان يرى أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه به، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله، والحال ما ذكر، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك.

قال صلى الله عليه وسلم: ( إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) أخرجه البخاري (7169)، ومسلم (1713).

وعلى المستفتي أن يسأل ثانيا وثالثا، حتى تحصل له الطمأنينة، إذا كان عدم الثقة لأجل المفتي؛ كأن يعتقد المستفتي جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بأنه ممن يفتي بالحيل والرخص المخالفة للسنة، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه، وسكون النفس إليها.

انظر: “إعلام الموقعين” (4/254)، و”شرح الكوكب المنير” (4/574)

كما أن المفتي في حكمه مخبر عن الشرع، وفتواه لا يرتبط بها إلزام للمستفتي.

يقول النووي، فيما ينقله عن ابن الصلاح في “آداب الفتوى والمفتي والمستفتي” (ص19): “وَيَنْبَغِي أَن يكون كالراوي؛ فِي أَنه لَا يُؤثر فِيهِ قرَابَة وعداوة، وجرّ نفع وَدفع ضرّ؛ لِأَن الْمُفْتِي فِي حكم: مخبرٌ عَن الشَّرْع بِمَا لَا اخْتِصَاص لَهُ بشخص؛ فَكَانَ كالراوي لَا كالشاهد، وفتواه لَا يرتبط بهَا إِلْزَام، بِخِلَاف حكم القَاضِي” انتهى.

وفي مسألة لزوم قول الفتوي يقول ابن السمعاني في “قواطع الأدلة” (ص147): “وإذا سمع المستفتي جواب المفتي: لم يلزمه العمل به، إلا بالتزامه. فيصير بالالتزام لازما، لا بالفتيا.

ويجوز ان يقال: إنه يلزمه، إذا أخذ في العمل به.

وقد قيل: إنه يلزمه، إذا وقع في نفسه صحته وحقيَّته. وهذا أولى الأوجه” انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وإذا نزلت بالمسلم نازلة: فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله، من أي مذهب كان.

ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء، في كل ما يقول.

ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم، في كل ما يوجبه ويخبر به؛ بل كل أحدٍ من الناس يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واتباع شخص لمذهب شخص بعينه، لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته؛ إنما هو مما يسوغ له، ليس هو مما يجب على كل أحد، إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق.

بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله، فيفعل المأمور ويترك المحظور” انتهى، من “مجموع الفتاوى” (20/208-209).

فالخلاصة:

إن كانت معلمتك مؤهلة للفتيا – وهو أمر يندر وجوده، لا سيما في النساء – : فلك تقليدها.

وإن كنت ستخالفينها تقليدًا لمن يفتيك غيرها، ممن هو مثلها، أو أعلم منها، وأولى بالعلم والفتوى: فلا حرج في هذا أيضًا، ولا يجب عليك أن تلتزمي فتواها فلا تخرجي عنها؛ هذا إن ساغ تقليدها والأخذ بقولها، أصلا.

والله أعلم
 

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android