لدينا شركة، نشاطها استيراد وتصدير، ووكيل بالعمولة، نسجل لدى الشركات المحلية للمشاركة في مناقصات توريد مستلزمات وقطع غيار حسب طلبهم، إذا لدينا علاقات مع عدد من المصنعين والموردين في مختلف الدول، ومتفقون معهم شفهياً بأن نطلب منهم عروض أسعار منتجاتهم في حال طلب منا ذلك من العملاء، ونقدم عرض السعر للعميل بوصف منضبط للسلعة المطلوبة،
وإذا تم قبول عرض السعر يرسل لنا أمر شراء، يتضمن شرط الدفع بعد تسليم البضاعة كاملة لمدة قد تصل إلى ٤٥ يوما، وبناء عليه نصدر نحن أمر شراء آخر للمورد في الخارج، وندفع له ثمن البضاعة مقدماً، وقد نتحمل مصاريف الشحن والنقل حتى تسلم البضاعة للعملاء، فما حكم ذلك؟
أولا:
لا حرج أن تتعاقد معكم الشركة المحلية على توريد سلع بمواصفات معينة إلى أجل معين.
فإن كانت سلعا تتطلب تصنيعاً، فهذا عقد استصناع، ولا حرج في تأخر دفع الثمن.
وإن كانت سلعا مصنوعة، أو حبوبا ونحوها: فهذا عقد سلم، ويشترط لصحته تسليم الثمن في مجلس العقد.
وقد صدر من مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ ـ 1 رجب 1421هـ الموافق 23 - 28 أيلول (سبتمبر) 2000م. قرار بشأن عقد التوريد، جاء فيه:
" ثانيا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب صناعة، فالعقد استصناع تنطبق عليه أحكامه. وقد صدر بشأن الاستصناع قرار المجمع رقم 65 (3/ 7).
ثالثا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة لا تتطلب صناعة، وهي موصوفة في الذمة يلتزم بتسليمها عند الأجل، فهذا يتم بإحدى طريقتين:
أ- أن يعجل المستورد الثمن بكامله عند العقد، فهذا عقد يأخذ حكم السلم، فيجوز بشروطه المعتبرة شرعا المبينة في قرار المجمع رقم 85 (2/ 9).
ب- إن لم يعجل المستورد الثمن بكامله عند العقد، فإن هذا لا يجوز لأنه مبني على المواعدة الملزمة بين الطرفين.
وقد صدر قرار المجمع رقم 40 و 41 المتضمن أن المواعدة الملزمة تشبه العقد نفسه، فيكون البيع هنا من بيع الكالىء بالكالىء.
أما إذا كانت المواعدة غير ملزمة لأحد الطرفين أو لكليهما، فتكون جائزة على أن يتم البيع بعقد جديد أو بالتسليم " انتهى.
وما جاء في "القرار" من جواز الوعد الملزم لأحد الطرفين: هذا على قول بعض العلماء المعاصرين. والمفتى به في الموقع: أنه لا يجوز الإلزام بالوعد، في بيع المرابحة، وما يشبهه، سواء كان لذلك لأحد الطرفين، أم للطرفين كليهما.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (229091).
وجاء في قرار المجمع بشأن الاستصناع:
" يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله، أو تقسيطه إلى أقساط معلومة لآجال محددة" انتهى من "مجلة المجمع" (ع 7، ج2 ص 223).
وعليه؛ فلا يجوز أن يكون "شرط الدفع بعد تسليم البضاعة كاملة، لمدة قد تصل إلى ٤٥ يوم"، إلا إذا كانت السلع تتطلب تصنيعا.
وأما السلع المصنعة الجاهزة الموصوفة التي لن تصنعها ولن تطلب من غيرك أن يصنعها، كشراء أجهزة كمبيوتر وثلاجات، ومكاتب، وسيارات، فلا يصح بيعها إلا مع دفع الثمن كاملا في مجلس العقد، فهذا شرط من شروط صحة عقد السلم، وقد استنبطه الشافعي رحمه الله من قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) رواه البخاري (2240)، ومسلم (1604).
فقوله: (فَلْيُسْلِفْ) يعني تقديم رأس المال كاملا في مجلس العقد، ولئلا يكون من بيع الكالئ بالكالئ أي الدين بالدين، فإن السلعة غير حاضرة.
وأجاز المالكية تأخير الثمن اليومين والثلاثة؛ لأن "ما قارب الشيء له حكمه" فالتأخير اليسير في حكم المعجل.
وينظر: "شرح الخرشي على خليل" (5/ 202).
ولا يجوز تأخير الثمن أكثر من ذلك باتفاق الفقهاء.
ثانيا:
إذا صح العقد الأول، فلا حرج في أن تتعاقد أنت مع مورد في الخارج، لتوريد هذه السلع.
ويجري عليك ما قدمنا:
1- فإن كانت السلعة تتطلب تصنيعا، جاز أن تؤخر الثمن أو تقسطه، ويدخل عملك فيما يسمى بالاستصناع الموازي، أي أنك تعاقدت مع الشركة المحلية على الاستصناع، ثم تعاقدت مع المورد على استصناع آخر، تتمكن به من الوفاء بعقد الشركة المحلية.
جاء في "المعايير الشرعية" ص 190: "إن الصيغة التي تسمى في العرف المعاصر (الاستصناع الموازي) تتم من خلال إبرام عقدين منفصلين: أحدهما مع العميل تكون فيه المؤسسة المالية الإسلامية صانعاً، والآخر مع الصُنّاع أو المقاولين تكون فيه المؤسسة مستصنِعاً، ويتحقق الربح عن طريق اختلاف الثمن في العقدين، والغالب أن يكون أحدهما حالا (وهو الذي مع الصُنّاع أو المقاولين) والثاني مؤجلا (وهو الذي مع العميل) " انتهى.
وجاء فيها ص 182:
"7 - ... الاستصناع الموازي:
7/ 2 ... يجوز أن تجري المؤسسة بصفتها صانعاً عقد استصناع مع عميل بثمن مؤجل، وتتعاقد مع صانع أو مقاول للشراء منه بالاستصناع الموازي لمصنوعات أو مبان بنفس المواصفات بثمن حال، بشرط عدم الربط بين العقدين.
7/ 3 ... يجب أن تتحمل المؤسسة نتيجة إبرامها عقد استصناع بصفتها صانعاً: تبعات المالك ونفقات الصيانة والتأمين قبل التسليم إلى المستصنع (العميل)، ولا يحق لها أن تحول التزاماتها مع العميل إلى الصانع في عقد الاستصناع الموازي.
7/ 4 ... لا يجوز الربط بين عقد الاستصناع وعقد الاستصناع الموازي، ولا يجوز التحلل من التسليم في أحدهما، إذا لم يقع التسليم في الآخر، وكذلك التأخير أو الزيادة في التكاليف، ولا مانع من اشتراط المؤسسة على الصانع في الاستصناع الموازي شروطاً (بما فيها الشرط الجزائي)، مماثلة للشروط التي التزمت بها مع العميل في الاستصناع الأول أو مختلفة عنها" انتهى.
2-وإن كانت السلعة لا تتطلب استصناعا، وجب أن تدفع الثمن مقدما أي في مجلس العقد.
وإذا تعاقدت مع الشركة المحلية بعقد سلم صحيح، فإن عملك يدخل فيما يسمى بالسلم الموازي.
جاء في "المعايير الشرعية"، ص 162:
" السلم الموازي: يجوز للمسلَم إليه أن يعقد سلما موازيا مستقلا مع طرف ثالث للحصول على سلعة مواصفاتها مطابقة للسلعة المتعاقد على تسليمها في السلم الأول؛ ليتمكن من الوفاء بالتزامه فيه، وفي هذه الحالة يكون البائع في السلم الأول مشتريا في السلم الثاني " انتهى.
والحاصل:
أنه يلزمك التحقق من صحة العقد الأول-مع الشركة المحلية-، فإن صح، فإنك تعمل استصناعا موازيا، أو سلما موازيا بناء على العقد الأول.
ثالثا:
يجوز أن تعمل وكيلا بالعمولة، فتستورد ما تريده الشركة المحلية، مقابل عمولة معلومة.
وفي هذه الحالة: تتحمل الشركة المحلية الثمن، ومصاريف الشحن، وسائر المصاريف، ويجب هنا أمران:
1-أن تُجري عقودا صحيحة مع الموردين، مراعيا ما ذكرنا في الفرق بين السلع المصنعة، والتي تتطلب تصنيعا، من حيث تعجيل الثمن أو تأخيره.
2-أن لا تدفع شيئا من مالك، لا ثمن البضاعة ولا شحنها ولا غير ذلك، بل يجب أن تدفع ذلك من مال الشركة المحلية؛ لأن دفعك عنها يعني أنك مقرض لها، ويحرم الجمع بين القرض والوكالة بعمولة؛ لما روى الترمذي (1234)، وأبو داود (3504)، والنسائي (4611) عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ) وصححه الترمذي، والألباني.
ويلحق بالبيع سائر عقود المعاوضات ومنها الوكالة بأجرة.
رايعا:
يجوز أن تتم هذه المعاملة، عن طريق "المرابحة مع الوعد بالشراء" عبر الخطوات التالية:
1-أن يتم وعد منك بشراء السلعة المطلوبة من الخارج، ثم بيعها على العميل (الشركة المحلية).
2-لا يجوز أخذ مقدم أو هامش جدية في مرحلة الوعد، على الراجح، وأجازه بعض الفقهاء بشرط عدم استعماله، بل يكون أمانة لديك.
3-أن تشتري السلعة لنفسك، وأن تقبضها.
4-أن تبيع السلعة على العميل بعد وصولها إليك.
وينظر: ضوابط بيع المرابحة.
وعليه فالخيارات ثلاثة:
1-عقد التوريد القائم على السلم أو الاستصناع.
2-الوكالة بأجرة.
3-المرابحة.
والله أعلم.