متى نقول ربي ارزقني، ومتى نقول ربي هب لي؟ وأيهما أفضل؟ وما الفرق بينهما؟
ما الفرق في عطاء الله بين الرزق والهبة؟
السؤال: 509531
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الله سبحانه وتعالى يرزق ويهب ما شاء من النعم لمن يشاء من عباده، فهو الرزاق الوهاب، سبحانه.
والرزق، وإن كان يطلق غالبا على ما تقوم به حياة الإنسان من مطعم ومشرب، والهبة تطلق في مقام غير هذا، كالملك والولد وغيرهما.
كما في قول الله تعالى عن مريم عليها السلام:
( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) آل عمران/37 – 38.
إلا أنهما يشتركان في أصل المعنى؛ فيطلق الرزق -كذلك- على الولد، وتطلق الهبة -أيضا- على المال والقوت، فكل النعم عطاء الله تعالى يرزقها ويهبها.
كما يشير إلى هذا حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: ” مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ! قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا) رواه مسلم (2435).
فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الرزق على ما أعطي من حبها.
قال ابن فارس رحمه الله تعالى:
” فالرزق: عطاء الله جل ثناؤه. ويقال رزقه الله رزقا … ” انتهى. “مقاييس اللغة” (2 / 388).
فرزقه تعالى يتناول كل عطاء من النعم الدنيوية والدينية.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
” في أسماء اللّه تعالى “الرّزّاق”.
وهو الّذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم. وفعّال من أبنية المبالغة.
والأرزاق نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنّفوس، كالمعارف والعلوم ” انتهى. “النهاية في غريب الحديث والأثر” (2/219).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” ينبغي للعبد إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين، فمعنى: ( اللهم ارزقني ) أي: ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة، ومن الإيمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن، وما به يصلح بدني من الرزق الحلال الهني الذي لا صعوبة فيه ولا تبعة تعتريه ” انتهى. “مجموع مؤلفات الشيخ السعدي – الحق الواضح المبين” (6 / 549).
والهبة -كذلك-: العطاء.
قال الخطابي رحمه الله تعالى:
” الوهاب: هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد، من غير استثابة.
ومعنى الهبة: التمليك بغير عوض يأخذه الواهب من الموهوب له، فكل من وهب شيئا من عرض الدنيا لصاحبه، فهو واهب، ولا يستحق أن يسمى وهابا إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكثرت نوافله ودامت.
والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالا، أو نوالا في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم، ولا ولدا لعقيم، ولا هدى لضلال، ولا عافية لذي بلاء، والله الوهاب -سبحانه- يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده، ورحمته، فدامت مواهبه، واتصلت مننه وعوائده ” انتهى. “شأن الدعاء” (ص 53).
فلهذا لا فرق بين قول العبد: ” اللهم ارزقني كذا “، وبين قوله: ” اللهم هب لي كذا “، فهو يسأل عطاء الله تعالى وكرمه على كل حال.
ومما ينبغي التنبه إليه، هو أن الدعاء موطن خشوع وخضوع، وهذا لا يتناسب مع التدقيق في الألفاظ، بل يستعمل الداعي كل لفظ تيسر له، مما جرى العرف باستعماله ولم يرد في الشرع ما ينهى عنه، ولا حاجة لتكلف التدقيق اللغوي في هذا الموطن.
سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” عن رجل دعا دعاء ملحونا فقال: له رجل ما يقبل الله دعاء ملحونا؟
فأجاب:
من قال هذا القول فهو آثم، مخالف للكتاب والسنة ولما كان عليه السلف.
وأما من دعا الله مخلصا له الدين، بدعاء جائز، سمعه الله وأجاب دعاءه، سواء كان معرَبا أو ملحونا.
والكلام المذكور لا أصل له؛ بل ينبغي للداعي إذا لم يكن عادته الإعراب ألا يتكلف الإعراب.
قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب؛ ذهب الخشوع.
وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فإذا وقع بغير تكلف، فلا بأس به.
فإن أصل الدعاء من القلب، واللسان تابع للقلب.
ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه، أضعف توجه قلبه.
ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يُفتح عليه، لا يحضره قبل ذلك، وهذا أمر يجده كل مؤمن في قلبه.
والدعاء يجوز بالعربية، وبغير العربية، والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده، وإن لم يقوم لسانه، فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات ” انتهى. “مجموع الفتاوى” (22 / 488).
الخلاصة:
قد بالغنا في البحث في كتب اللغة والفروق والاصطلاحات ونحوها، فلم نر من فرق في عطاء الله لعباده بين “الرزق” و”الهبة”.
نعم، قد يكون هناك فرق فيما يكون بين الناس من الأعطيات، والمعاوضات. وأما في حق الله فكل ما أعطى الله عباده، فهو رزق من عنده، وهو أيضا: محض هبة وفضل على عباده.
وعلى هذا، فلا يظهر مانع من استعمال إحدى الكلمتين في الدعاء، في موضع تأتي فيه الأخرى، وقد يكون السياق أولى بإحدى الكلمتين من الأخرى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب