لقد عاهدت الله تعالى أنه لو تحقق لي ما أتمناه فسوف أتصدق بشراء أضحية عيد الأضحى لأحد المساكين، وأنا ما زلت على عهدي، ولكن حاليا لديّ أخت راشدة ما زلت تقطن مع والدي، أمي و أبي، وللإشارة أنا حاليا من ينفق على والدي، أختي هذه مرضت، وثمن العلاج هو نفس ثمن شراء الأضحية تقريبا، وللحقيقة أنا لا يمكنني تحمل الصدقة وثمن العلاج في نفس الوقت، ولكي أجنب والدي أن يعالجها من المبلغ الذي أرسله لهم كل شهر لأن هذا سوف يؤثر كثيرا على قدرتهم الشرائية، فأردت أن أحول الصدقة التي نويتها في الأول إلى صدقة على أختي، أعالجها بها، وأساعدها في أمورها المادية، خصوصا أنها ووالدي ليس لهم أي مدخول، فماهي نصيحتكم؟ هل يجب عليّ الكفارة، أو يجوز تاخير النذر إلى السنة المقبلة؟
هل يجوز لمن عاهد الله أن يتصدق بأضحية أن يغير نيته إلى طاعة أخرى؟
السؤال: 509813
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ذهب جمهور أهل العلم أن قول الرجل عليّ عهد الله، أو عاهدت الله، أو أعاهد الله أنها يمين، مستدلين بقوله تعالى وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل/91]، فقد سماها الله يمينا.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (7/260):
"قال الحنفية: إذا قيل: عليّ عهد الله أو ذمة الله أو ميثاق الله لا أفعل كذا مثلا، فهذه الصيغ من الأيمان؛ لأن اليمين بالله تعالى هي عهد الله على تحقيق الشيء أو نفيه، قال تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها فجعل العهد يمينا.
وقال المالكية والحنابلة: من صيغ اليمين الصريحة: عليّ عهد الله لا أفعل، أو لأفعلن كذا مثلا فتجب بالحنث كفارة إذا نوى اليمين، أو أطلق، فإن لم ينو اليمين بل أريد بالعهد التكاليف التي عهد بها الله تعالى إلى العباد لم تكن يمينا.
وزاد المالكية: أن قول القائل: أعاهد الله، ليس بيمين على الأصح.
وقال الشافعية: من كنايات اليمين: عليّ عهد الله أو ميثاقه أو ذمته أو أمانته أو كفالته لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا، فلا تكون يمينا إلا بالنية" انتهى
وقال ابن قدامة رحمه الله: "إذا حلف بالعهد، أو قال: وعهد الله، وكفالته. فذلك يمين، يجب تكفيرها إذا حنث فيها. وبهذا قال الحسن، وطاووس، والشعبي، والحارث العكلي، وقتادة، والحكم، والأوزاعي، ومالك" انتهى من "المغني" (13/463).
وللمالكية قول إنها يمين.
جاء في "التاج والإكليل لمختصر خليل" (4/401):
"وفي (أعاهد الله) قولان. قال اللخمي: اختلف إن قال أعاهد الله فقال ابن حبيب: عليه كفارة يمين.
وقال ابن شعبان: لا كفارة عليه وهو أحسن؛ لأنه لم يحلف بالعهد فيكون قد حلف بصفة.
وقوله أعاهد الله فالعهد منه وليس بصفة لله تعالى. انتهى.
فعلى هذا القول، فإن قولك يجري عليه أحكام اليمين، فإن رأيت أنّ صرف المبلغ في علاج أختك أولى -وهو الظاهر- صرفت المبلغ في علاجها وكفرت كفارة يمين. لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) مسلم (1650).
قال القاضي عياض رحمه الله في شرح الحديث: "أي ما حلف عليه، من فعل أو ترك خير لدنياه أو لأخراه، أو أوفق لهواه وشهوته، ما لم يكن إثماً" انتهى من "إكمال المعلم" (5/408).
وقد سبق في الموقع بيان كفارة اليمين مفصلة فليرجع إليه: (45676 ).
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنها تكون بمعنى النذر إذا تضمنت الالتزام بفعل قربة من القربات، حيث قال:
"فإذا قال: أعاهد الله أني أحج العام: فهو نذر وعهد ويمين.
وإن قال: لا أكلم زيدا: فيمين وعهد، لا نذر.
فالأيمان إن تضمنت معنى النذر وهو أن يلتزم لله قربة لزمه الوفاء بها: فهي عقد وعهد ومعاهدة لله؛ لأنه التزم لله ما يطلبه الله منه.
وإن تضمنت معنى العقود التي بين الناس، وهو أن يلتزم كل من المتعاقدين للآخر ما اتفقا عليه: فمعاقدة ومعاهدة، يلزم الوفاء بها إن كان العقد لازما، وإن لم يكن لازما خير، وهذه أيمان بنص القرآن، ولم يعرض لها ما يحل عقدتها إجماعا" انتهى من "تقريب فتاوى ابن تيمية" (5/239).
وقال ابن مفلح رحمه الله: "قال شيخنا -يعني ابن تيمية-: لم يقل أحد إنها توجب إيجابا أو تحرم تحريما لا ترفعه الكفارة، قال: والعقود والعهود متقاربة المعنى أو متفقة فإذا قال: أعاهد الله أني أحج العام، فهو نذر وعهد ويمين، ولو قال: أن لا أكلم زيدا، فيمين وعهد، لا نذر، فالأيمان إن تضمنت معنى النذر، هو أن يلتزم لله قربة، لزمه الوفاء". انتهى من "الفروع" (10/452).
وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
فقد سئل رحمه الله:
"إذا حلف الإنسان قائلاً عليّ عهد الله أن أفعل كذا أو عليّ نذر لله أن أفعل كذا ثم حنث ولم يوفِ بهذا العهد، هل عليه كفارة وما هي أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه إلى أن النذر الذي يلتزم به الإنسان مكروه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عنه وقال إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج من البخيل) حتى إن من أهل العلم من قال إن النذر محرم لأن الإنسان يلزم نفسه بما لا يلزمه فيشق على نفسه وربما يتأخر عن إيفائه فيعرض نفسه للعقاب العظيم الذي ذكره الله تعالى في قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)….إلخ" انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين» (21/ 2 بترقيم الشاملة).
وهذا القول هو المفتى به عندنا في الموقع.
وينظر جواب السؤال رقم: (139465 )، ورقم: (343751 ).
وعلى هذا؛ فأنت بالخيار بين أمرين:
الأول: أن تنقل المبلغ الذي رصدته لشراء أضحية لأحد المساكين على علاج أختك، وهذا من باب جواز نقل النذر إلى ما هو أفضل.
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه:" أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ): صَلِّ هَاهُنَا)، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: (صَلِّ هَاهُنَا)، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ):شَأْنَكَ إِذًا) رواه أبو داود (3305)، وصححه الالباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فقد ثبت أن إبدال الواجب بخير منه جائز؛ بل يستحب فيما وجب بإيجاب الشرع وبإيجاب العبد.
ولا فرق بين الواجب في الذمة وما أوجبه معينا، فإنما وجب في الذمة وإن كان مطلقا من وجه فإنه مخصوص متميز عن غيره، ولهذا لم يكن له إبداله بدونه بلا ريب.
وعلى هذا؛ فلو نذر أن يقف شيئا، فوقف خيرا منه؛ كان أفضل. فلو نذر أن يبني لله مسجدا وصفه، أو يقف وقفا وصفه، فبنى مسجدا خيرا منه، ووقف وقفا خيرا منه: كان أفضل.
ولو عينه فقال: لله عليّ أن أبني هذه الدار مسجدا، أو وقفها على الفقراء والمساكين، فبنى خيرا منها، ووقف خيرا منها: كان أفضل؛ كالذي نذر الصلاة بالمسجد الأقصى وصلى في المسجد الحرام، أو كانت عليه بنت مخاض فأدى خيرا منها" انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/ 249).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل، مع وجوب الوفاء به؛ فالرجل الذي جاء إليه وقال: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال صلى الله عليه وسلم: (صلِّ ها هنا)، فأعاد عليه فقال: (صل ها هنا)، فأعاد الثالثة، فقال صلى الله عليه وسلم: (شأنك إذاً) " انتهى من "تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة" (2/315).
الثاني: إذا كنت لم تعين سنة لأضحيتك؛ فلك أن تقدّم علاج أختك بالمال الذي توفر لديك، وتؤخر إخراج الأضحية حتى ييسر الله لك المال الذي تستطيع به الوفاء. ولا شيء عليك.
جاء في فتاوى "اللجنة الدائمة للإفتاء (23/341):
"النذر الذي عقدته نذر طاعة؛ يجب عليك الوفاء به ولو مفرقاً، إذا كنت لم تنو التتابع، ولا مانع من التأخير حتى تستطيع" انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في جوابه على سؤال من نذر أن يذبح ولم يتوفر له المال:
"فعليك أن تؤدي الذبيحة الثانية عند القدرة؛ لقوله سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وقوله عز وجل: (فاتقوا الله ما استطعتم) فمتى استطعت وتيسر لك ما تشتري به الذبيحة الثانية فافعل واذبحها وتصدق بها على الفقراء.." انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (4/350).
والحاصل:
أن تحمل نفقات علاج الأخت، أو صلة الوالد بمالك، عند حاجته إليه: أفضل من الصدقة بهذا المال، أو ذبح أضحية به، سواء عن نفسك، أو عن غيرك من الفقراء.
وعلى ذلك؛ فلك أن تصرف مال النذر إلى المصرف الفاضل.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة