حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من وجود الأَسِرَة والفرش التي لا ينام فيها أحد في البيت؛ لأن الشيطان ينام عليها، سؤالي: هل الأرائك لها نفس هذا الحكم؟
هل ينام الشيطان على الفراش الزائد وهل ينطبق ذلك على الأرائك؟
السؤال: 511174
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ورد الترغيب في عدم اتخاذ ما لا يحتاجه الإنسان من الفرش، كما روى مسلم (2084) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ.
واختُلف في معناه على قولين:
الأول: أن المراد أن ما زاد عن الحاجة: فمذموم؛ وكل مذموم يضاف للشيطان؛لأنه يرتضيه ويوسوِس به.
الثاني: أنه على ظاهره، وأن الشيطان يبيت على الفراش الزائد.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (14/ 59):
"قال العلماء: معناه أن ما زاد على الحاجة؛ فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا، وما كان بهذه الصفة فهو مذموم، وكل مذموم يضاف إلى الشيطان؛ لأنه يرتضيه ويوسوس به ويحسنه ويساعد عليه.
وقيل: إنه على ظاهره، وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مَبِيت ومقيل، كما أنه يحصل له المبيت بالبيت الذي لا يذكر الله تعالى صاحبه عند دخوله عِشاء.
وأما تعديد الفراش للزوج والزوجة: فلا بأس به؛ لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش، عند المرض ونحوه وغير ذلك" انتهى.
وقال الشيح محمد بن آدم الأثيوبي رحمه الله في "البحر المحيط الثجاج" (34/ 673): " هذا القول الثاني هو الأرجح عندي؛ لأنه إذا أمكن حمل النصّ على ظاهره، فهو الأَولى، ولا حاجة إلى العدول عنه.
على أنه لا تنافي بين المعنيين؛ لأن الشيطان كما أنه يبيت عليه، فهو الذي حمله على اتخاذه. والله تعالى أعلم" انتهى.
وعلى القول بأنه على ظاهره، فهو مقصور على الفراش فيما يظهر، فلا يقال: إن الشيطان يجلس على الأريكة الزائدة.
وأما على القول الأول، فإنه يشمل الفرش والأرائك ونحوها؛ فما زاد عن الحاجة فهو مذموم؛ لأنه إما أن يفعل مباهاة، أو التهاء بالدنيا، مع ما فيه من الإسراف وإضاعة المال.
قال القرطبي رحمه الله في "المفهم" (5/404):
"ومقصود هذا الحديث: أن الرجل إذا أراد أن يتوسع في الفرش؛ فغايته ثلاث، والرابع لا يُحتاج إليه، فهو من باب السَّرف .
وفقه هذا الحديث: ترك الإكثار من الآلات والأمور المباحة، والترفه بها، وأن يقتصر على حاجته . ونسبة الرَّابع للشيطان: ذمٌّ له. لكن لا يدلّ على تحريم اتخاذه، وإنَّما هذا من باب قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يستحل الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه)؛ ولا يدلّ ذلك على التحريم لذلك الطعام ، كما تقدَّم . والله تعالى أعلم" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " المعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من الإسراف واتخاذ أكثر من اللازم، ولا سيما في زمن كزمن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان الناس يحتاجون فيه إلى الأموال التي يبذلونها في أمور أنفع وأهم، وإنما نسبته إلى الشيطان؛ فلأنه من الإسراف، وقد قال الله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141] " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (8/ 13).
وعليه؛ فإذا كانت الأرائك يحتاجها الرجل وأهله للجلوس عليها، أو يتخذونها للضيف من قريب وغيره، فلا حرج في ذلك.
وإن كانت زائدة عن الحاجة لا يجلس عليها أحد، لا ضيف ولا غيره، فهذا من السرف، وهو مذموم، ويمكنه أن يتصدق بها على من يحتاجها، إذا كان في غنى عنها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب