هل صلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد صلاة الغائب بعد وفاته؟ مع ذكر الدليل.
هل صلى الصحابة على غائب بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟
السؤال: 512435
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ثبتت الصلاة على الغائب، فيما روى البخاري (3877)، ومسلم (952) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ:
(مَاتَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ).
واختلف الفقهاء في الصلاة على الغائب على أربعة أقوال :
القول الأول: أنه لا تشرع الصلاة على الغائب، وإليه ذهب الحنفية والمالكية.
القول الثاني: أنه تشرع الصلاة على كل غائب خارج عن البلد، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
وقيده الشافعية بمن كان أهلا للصلاة عند موت الغائب.
وقيده الحنابلة بشهر من موت الغائب، فلا يصلى عليه بعد ذلك.
القول الثالث: أنه يصلى على الغائب الذي لم يُصَلَّ عليه فقط، وهو رواية عن أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وإليها ميل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
القول الرابع: أنه يصلى على الغائب الذي له يد ونفع وغناء للمسلمين، ولو كان قد صُلِّي عليه، وهو رواية عن أحمد، واختارها الشيخ السعدي، وبه أفتت اللجنة الدائمة .
وينظر: جواب السؤال رقم: (35853).
وأعدل الأقوال: القولان الثالث والرابع.
وأما نفي الصلاة على الغائب مطلقا، فضعيف.
قال النووي رحمه الله في “المجموع” (5/211) :
” ( فرع ) في مذاهبهم في الصلاة على الغائب عن البلد:
ذكرنا أن مذهبنا جوازه، ومنعها أبو حنيفة.
دليلنا: حديث النجاشي، وهو صحيح لا مطعن فيه، وليس لهم عنه جواب صحيح، بل ذكروا فيه خيالاتٍ، أجاب عنها أصحابنا بأجوبة مشهورة.
(منها): قولهم: إنه طويت الأرض، فصار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
(وجوابه): أنه لو فتح هذا الباب، لم يبق وثوق بشيء من ظواهر الشرع؛ لاحتمال انخراق العادة في تلك القضية، مع انه لو كان شيء من ذلك لتوفرت الدواعي بنقله.
(وأما) حديث العلاء بن زيدل، ويقال: ابن زيد، عن أنس: أنهم كانوا في تبوك فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بموت معاوية بن معاوية في ذلك اليوم، وأنه قد نزل عليه سبعون ألف ملك يصلون عليه، فطويت الأرض للنبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب فصلى عليه، ثم رجع= فهو حديث ضعيف، ضعفه الحفاظ، منهم البخاري في تاريخه، والبيهقي، واتفقوا على ضعف العلاء هذا، وأنه منكر الحديث” انتهى.
ثانيا:
لم نقف على أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا على غائب، وهذا يقوي القول بأنه لا يصلى على غائب؛ إلا إذا لم يُصلَّ عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” الصلاة على الغائب: الصحيح أنها ليست بسنة؛ إلا من لم يُصلَ عليه، كرجل مات في البحر وغرق ولم يُصلَ عليه، فحينئذٍ نصلي عليه.
أما إذا صُلِّي عليه في أي مكان، فإنه لا يصلَّى عليه صلاةَ غائب؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصلِ على الغائب إلا على رجل واحد لم يُصَلَّ عليه، وهو النجاشي، ولو كانت الصلاة على الغائب مشروعة لكان أول من يسنها للأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
كذلك الصحابة رضي الله عنهم ما أُثر عنهم أنهم صلوا على الغائب، يموت القُوّاد، ويموت الخلفاء، ويموت الأمراء ولم يُصلَ عليهم.
وهذا الذي ذكرناه: هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد وُفّق للصواب.
لكن إذا أمر به ولي الأمر صار طاعة، أي: صارت الصلاة على الغائب طاعة؛ لأنها من طاعة ولي الأمر الذي أمرنا بها، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].
ولقد ضل قومٌ بلغنا أنه لما أمر ولي الأمر بالصلاة على الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، تخلفوا ولم يصلوا، وهذا من جهلهم، لأننا نصلي على الغائب بأمر ولي الأمر، طاعة لله عز وجل، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].
فإذا قال هذا: أنا أرى أنها بدعة؛ هل إذا أمر ولي الأمر ببدعة نوافق؟
نقول: لا، هذه ليست بدعة؛ لأنها مسألة خلافية بين العلماء، ومسائل الخلاف الفقهي لا يقال: إنها بدعة، لو قلنا: إنها بدعة، لكان: كل الفقهاء مبتدعون، يعني كل شخص يقول للآخر إذا كان على خلاف رأيه: أنت مبتدع، وهذا لم يقله أحد من العلماء، لذلك نقول: إن اجتهاد هؤلاء الإخوة في غير محله.
على كل حال: الصحيح أن الصلاة على الغائب ليست بسنة، لكن إذا أمر بها ولي الأمر فهي طاعة لله عز وجل؛ لأنه أمر بها” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (216/7).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة