لدي بحث عن جودة العناية الصحية في السجن ، فهل للمسجونين نفس الرعاية الصحية التي يلقاها بقية الناس ؟
ما هو رأي الإسلام في المساواة في هذا الشأن ؟.
الرعاية الصحية للمسجونين في الإسلام
السؤال: 5157
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان ، وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم ، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته .
ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين : أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية ، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن .
أولاً : الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية :
1 – سجن المريض : بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء ، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض ؟ والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي ، من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه . فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن ، جاز سجنه ، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه .
2 – إذا مرض السجين داخل السجن : إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه ، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته ، ولو تسبب عدم علاجه في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك . وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه ، فناداه : يا محمد يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ قال : إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني . فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته . رواه مسلم 3/1263 . ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض .
أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن ، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه .
هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية ( النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين ) ، لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون – إذا أمن عدم هربه – ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه . كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه .
3 – يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم ، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير .
4 – ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته ، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن ، حفاظا عليه وعلى أهله .
5 – نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة ، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض .
ثانياً : الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن :
ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة .
ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة .
ثالثاً : هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه :
1- التمثيل بالجسم : فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمثلوا ) رواه مسلم 3/1357 .
2- ضرب الوجه ونحوه ، لما فيه من الإهانة ، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا ، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون .
3- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء ، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص ، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه .
4- التجويع والتعريض للبرد ، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه ، أو منعه من اللباس ، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال ، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية .
5- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي .
6- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة : ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين .
صور من اهتمام المسلمين بالسجناء :
– الحديث السابق الذكر الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالاهتمام بالأسير وتلبية حاجته من الطعام والشراب ، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بالأسرى ونحوهم على أصحابه ويوصيهم بهم خيرا .
– كان الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتفقد السجون ويشاهد من فيها من المسجونين ويفحص عن أحوالهم .
– كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس إلى عماله يقول : انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى .
– جعل الخليفة المعتضد العباسي من الميزانية 1500 دينار شهريا لنفقة المسجونين وحاجاتهم وعلاجهم ونحوه .
– لما سجن الخليفة العباسي المقتدر أحد وزرائه وهو ابن مقلة ، ساءت أحوال الوزير فأرسل له الطبيب المشهور ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة ليعالجه في سجنه وأوصاه به خيرا . وكان الطبيب يطعم السجين بيده ويرفق به وبحاله .
– وكتب الوزير علي بن عيسى الجراح في زمن الخليفة المقتدر إلى رئيس مستشفيات العراق حينذاك يقول له : ( فكرت مد الله في عمرك في أمر من بالحبوس – أي السجون – وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض ، وهم معوّقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم ، فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم ، وتحمل لهم الأدوية والأشربة ، ويطوفون على سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يصفونه لهم ) واستمر هذا الحال خلافة المقتدر والقاهر والراضي والمتقي . للمزيد يُراجع : أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام ص367-379 ، والموسوعة الفقهية ج16 ص320-327 .
والله تعالى أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الشيخ محمد صالح المنجد