لدي عدد من الأبناء الذكور والإناث، ولدي عقاران فيهما عدد من الشقق، منها شقق كبيرة، ومنها شقق صغيرة، وقررت أن أهب لأولادي وبناتي في حياتي من هذه الشقق للذكر مثل حظ الانثيين، ولكن بسبب أن لي عدد ٤ من الأبناء الكبار متزوجون، ولديهم أبناء وأحفاد، وكنت طوال الفترة الماضية أسكنهم في إحدى الشقق الصغيرة، لكل واحد شقة، لمدة 15سنة بدون أن يدفعوا إيجارا، والآن بعد أن قمت بعمل هذه الهبة لأبنائي، أعطيت المتزوجين من الشقق الصغيرة، وغير المتزوجين من الشقق الكبيرة؛ لكي أعدل بينهم فيما مضى من سكنهم بدون أجرة، علما بأن الأخوة الأصغر سنا، لازالوا تحت رعايتي، وأصرف عليهم في أكلهم وكسوتهم وتعليمهم الجامعي، فهل ما قمت به صحيح؟
يريد تقسيم الشقق على أولاده وقد أسكن المتزوجين منهم سنين بلا أجرة، فكيف يعدل في الهبة؟
السؤال: 519188
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يجب على الأب أن يعدل في الهبة بين أولاده؛ لما روى البخاري (2586)، ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ لَا قَالَ: فَارْجِعْهُ. ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما.
ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ: ” سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ”.
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ.
والعدل بين الأولاد في الهبة يكون بإعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “الاختيارات” ( ص 184) :“ويجب التعديل في عطية أولاده على حسب ميراثهم . وهو مذهب أحمد ” انتهى .
وقال شريح القاضي لرجل قسم ماله بين أولاده : “قِسْمَةُ اللَّهِ أَعْدَلُ مِنْ قِسْمَتِك , فَارْدُدْهُمْ إلَى قِسْمَةِ اللَّهِ وَفَرَائِضِهِ، وأشهدني، وإلا فلا تشهدني، لا أشهد على جور” رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (30998).
وقال عطاء: مَا كَانُوا يُقَسِّمُونَ إلا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى .“المغني” (8/261).
ثانيا:
تسكينك الأولاد المتزوجين في شقق لمدة 15 سنة بلا إيجار، إن كان ذلك لحاجتهم وفقرهم، فلا حرج عليك؛ لأن ذلك داخل في النفقة عليهم، أي إذا كانوا لا يملكون الأجرة، أو كان دفعهم لها يضر بهم؛ لأن الأب يلزمه نفقة أولاده المحتاجين ولو كانوا كبارا، ويدخل في النفقة المسكن.
ولأنه، إن كان في ذلك نوع تفضيل لهم، بما وهبت لهم من أجرة الشقق؛ فإن هذا ليس تفضيلا محضا، بل هو تفضيل لعلة معتبرة.
وإن كان مع استغنائهم، فقد فضلتهم على بقية إخوانهم، فيلزم تقدير الأجرة خلال هذه المدة، وخصمها من نصيبهم عند توزيع الشقق عليهم.
ولو كان بعضهم محتاجا وبعضهم غير محتاج، أُخذ من غير المحتاج فقط.
وكذا لو كان محتاجا مدة، ثم صار غير محتاج، أخذ منه أجرة المدة التي لم يكن فيها محتاجا.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (22169)، ورقم: (112511)، ورقم: (288457).
ثالثا:
الصرف على الصغار مأكلا ومشربا ومسكنا وتعليما، يدخل في النفقة، لا في الهبة، فلا يلزم فيه التسوية، بل يعطي كل واحد منهم مقدار كفايته ، قليلا كان أم كثيرا .
قال في “كشاف القناع” (3/ 309): ” (ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب (التعديل بين من يرث بقرابة من ولد وغيره) كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه (في عطيتهم) … و (لا) يجب التعديل بينهم (في شيء تافه)؛ لأنه يُتسامح به، فلا يحصل التأثر … (إلا في نفقة وكسوة فتجب الكفاية) دون التعديل” انتهى.
فلا يراعى في قسمة الشقق كونك تنفق على هؤلاء الصغار.
والحاصل:
أنك تقسم الشقق بالعدل، فإن كان فيها صغار وكبار، وجب تقييمها، ومن أخذ شقة كبيرة أعطاك الفرق مالا، أو عوّض أخاه الذي أخذ شقة صغيرة، بحيث ينتهي الأمر إلى تساوي الذكور فيما يأخذون، وتساوي الإناث فيما يأخذن، وأن الذكر يأخذ ضعف الأنثى.
ويؤخذ من الإخوة الذين كانوا يسكنون بلا إيجار-مع استغنائهم-: قدر الأجرة عن السنوات الماضية، أو يخصم من نصيبهم عند تقييم الشقق.
فإن كانوا بحاجة مدة سكنهم، فلا يؤخذ منهم شيء، كما تقدم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة