أنا أعمل فى محل إعادة تدوير ملابس، وأنا بالأخص أقوم بإزالة الصبغة من الملابس، وهذا يتضمن رشها بالكحول، كثيرا بعد إنهاء العمل أشعر بالدوار بعض الشيء، فبحثت على الإنترنت ووجدت أنه يمكن للمرء أن يسكر من استنشاق غازات الكحول، ولكن أنا لا أسكر، وأقصى ما أشعر به هو الدوار، فهل ما أفعله حرام؟ وهل مكسبي من هذا العمل مال حرام يجب علي إخراجه؟ وهل صلاتي باطلة ويجب إعادتها، أو صلاتي لن تقبل لمدة ٤٠ يوما؟ وهل يجوز أصلا استعمال الكحول فى الصناعة؟ فقد سمعت أن زارع الخمر والذي ينقله وكل هؤلاء ملعونين.
ما حكم استعمال الكحول في إزالة الصبغ من الملابس؟
السؤال: 522978
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الكحول مختلف في كونه خمرا مسكرا بمجرده، أم لا يكون خمرا إلا بإضافة وتقطير؟ وعلى القول بأنه مسكر هل يجوز استعماله في غير الشرب، وهل الكحول كله مسكر أم بعضه؟ على أقوال لأهل العلم:
القول الأول:
عدم نجاسة الكحول وأنه ليس خمرًا، وهو ما أفتى به الشيخ بخيت المطيعي في "مجلة الإرشاد" في العدد الأول من السنة الأولى في شهر شعبان سنة 1351 هـ، وهو ما عليه دار الإفتاء المصرية؛ حيث صدرت بذلك فتواها في عهد الشيخ محمد خاطر؛ برقم: 159، وتاريخ: 27 من ذي القعدة سنة 1391 هـ الموافق 12 يناير سنة 1972 م، وفي عهد الشيخ عبد اللطيف حمزة؛ برقم: 117، وتاريخ: 7 من رمضان سنة 1405 هـ الموافق 6 يونيو سنة 1985 م، وانتصر لذلك الشيخ محمد رشيد رضا في "تفسير المنار"، وهو قول جماعة من العلماء المعاصرين، وبعض الهيئات العلمية الفقهية المعتمدة كما في "مجموعة الفتاوى الشرعية" الصادرة عن قطاع الإفتاء بالكويت".
وينظر: جواب السؤال رقم: (380501).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " عن حكم استعمال السوائل الكحولية لأغراض الطباعة والرسوم والخرائط والمختبرات العلمية إلخ؟
فأجاب بقوله: من المعلوم أن مادة الكحول تستخرج غالبا من الخشب وجذور القصب وأليافه، ويكثر جدا في قشور الحمضيات كالبرتقال والليمون، كما هو مشاهد، وهي عبارة عن سائل قابل للاحتراق سريع التبخر، وهو لو استعمل مفردا لكان قاتلا، أو ضارا، أو مسببا للعاهات.
لكنه إذا خلط بغيره بنسبة معينة، جَعل ذلك المخلوط مسكرا.
فالكحول نفسها ليست تستعمل للشرب والسكر بها، ولكنها تمزج بغيرها، فيحصل السكر بذلك المخلوط.
وما كان مسكرا، فهو خمر محرم، بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
لكن هل هو نجس العين كالبول والعذرة؟ أو ليس بنجس العين ونجاسته معنوية؟
هذا موضع خلاف بين العلماء. واتفق جمهورهم على أنه نجس العين.
والصواب عندي أنه ليس بنجس العين بل نجاسته معنوية…
فإن قيل أليس الله تعالى يقول: (فاجتنبوه) وهذا يقتضي اجتنابه على أي حال؟
فالجواب: أن الله تعالى علل الأمر بالاجتناب بقوله: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة) إلى آخر الآية، وهذه العلة لا تحصل فيما إذا استعمل في غير الشرب ونحوه.
فإذا كان لهذه الكحول منافع خالية من هذه المفاسد التي ذكرها الله تعالى علة للأمر باجتنابه، فإنه ليس من حقنا أن نمنع الناس منها.
وغاية ما نقول: إنها من الأمور المشتبهة، وجانب التحريم فيها ضعيف، فإذا دعت الحاجة إليها زال ذلك التحريم.
وعلى هذا؛ فاستعمال الكحول فيما ذكرتم من الأغراض: لا بأس به إن شاء الله تعالى؛ لأن الله تعالى خلق لنا ما في الأرض جميعا، وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض جميعا، منه.
وليس لنا أن نتحجز شيئا، ونمنع عباد الله منه: إلا بدليل من كتاب الله تعالى، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/ 254).
القول الثاني:
أن الكحول مسكر بمجرده، فهو خمر، ويتفرع على ذلك القول بنجاسته، فينجس ثيابك وبدنك لو أصابك، وليس لك استنشاقه لأنه نجس.
جاء في بحث " المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " حول موضوع " المواد المحرمة في الغذاء والدواء" : " "3 – لما كان الكحول مادة مسكرة فيحرم تناولها…
5 – المواد الغذائية التي يستعمل في تصنيعها نسبة ضئيلة من الكحول، لإذابة بعض المواد التي لا تذوب بالماء، من مُلونات وحافظات، وما إلى ذلك، يجوز تناولها، لعموم البلوى، ولتبخر معظم الكحول المضاف أثناء تصنيع الغذاء". انتهى، من " توصيات الندوة الثامنة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية "، وانظر النص كاملاً في " الفقه الإسلامي وأدلته " (7/ 5264) للشيخ الدكتور وهبة للزحيلي.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/106): " ما حكم الاستمتاع بالكحول أو الخمر عموما، أي : استخدامه في دهان الأثاث، وفي العلاج، والوقود، والتنظيف، والتعطير، والتطهير، واتخاذه خلا .
الجواب : ما أسكر شرب كثيره فهو خمر، وقليله وكثيره سواء، سواء سمي كحولا أم سمي باسم آخر، والواجب إراقته، وتحريم الإبقاء عليه، لاستخدامه، والانتفاع به في تنظيف أو تطهير أو وقود أو تعطير أو تحويله خلا أم غير ذلك من أنواع الانتفاع .
أما ما لم يسكر شرب كثيره، فليس بخمر، ويجوز استعماله في تعطير وعلاج وتطهير جروح ونحو ذلك.
عبد الله بن قعود … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/ 92): "لا يجوز خلط الأدوية بالكحول المسكرة، لكن لو خلطت بالكحول جاز استعمالها، إن كانت نسبة الكحول قليلة، لم يظهر أثرها في لون الدواء ولا طعمه ولا ريحه وإلا حرم استعمال ما خلط بها.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
القول الثالث:
أنه ليس كل ما يسمى كحولا يكون مسكرا، فمن الكحوليات ما هو سم قاتل كالميثانول، ومنه ما هو مسكر كالإيثانول، وهو المكون الفعال في الخمر، وأما السوربيتول فهو كحول غير مسكر .
وفي "الموسوعة العربية العالمية" : " الكحول أو الغَوْل مركب كيميائي، يتكون من ذرات من الكربون والهيدروجين والأكسجين، ترتبط كيميائيًا مع بعضها. تحتوي جميع جزيئات الكحول على الأقل على مجموعة هيدروكسيل واحدة. ومجموعة الهيدروكسيل ترتيب معين من الذرات ترتبط فيه ذرة هيدروجين بذرة أكسجين. ونجد في جزيئات الكحول: أن ذرة الأكسجين الموجودة في مجموعة الهيدروكسيل تتصل بدورها بذرة الكربون.
يستخدم الناس عادة كلمة مشروبات كحولية للإشارة إلى مشروبات مثل البيرة والنبيذ والمُسْكرات الأخرى، لكن هنالك العديد من أنواع الكحولات ذات الاستخدامات المختلفة.
وتناقش هذه المقالة الخواص الكيميائية والاستخدامات التجارية للعديد من الكحولات:
الميثانْول. يسمى أيضًا الكحولد الميثيلي أو كحول الخشب. وهو أبسط أنواع الكحولات، ويحتوي على مجموعة هيدروكسيل واحدة، وصيغته الكيميائية CH4O. والميثانول سائل عديم اللون وسام جدًا.
يُحضر الميثانول أصلاً من الخشب، لكنه يُنْتج الآن تجاريا في المقام الأول من الميثان (غاز المستنقعات والمناجم)، وهو العنصر الرئيسي للغاز الطبيعي، ويعتبر مذيبا صناعيًا مهمًا في تصنيع الطلاء والورنيش. ويستخدم أيضًا مانعًا لتجمد الوقود في السيارات.
الإيثانول: ويعرف أيضا بالكحول الإثيلي. وهو الكحول الموجود في المشروبات الكحولية، وصيغته الكيميائية C2H6O، وبه مجموعة هيدروكسيل واحدة ويستخدم أيضًا في أغراض عديدة أخرى؛ حيث يعمل مذيبًا لتفاعلات كيميائية، ولورنيش اللكّ، والطلاءات والأصباغ. كما أنه عنصر مهم في تحضير المواد الكيميائية المستخدمة مطهرات ومنكهات ومعطرات.
تقوم العديد من الحكومات بفرض الضرائب على إنتاج وتوزيع الإيثانول، والسيطرة عليهما. كما تُفرض الضرائب على الكحول الإثيلي المستخدم في المشروبات الكحولية. ولهذا السبب يلجأ مصنعو الإيثانول إلى إفساده (جعله غير صالح للشرب)، لاستخدامه لأغراض أخرى. وتتم هذه العملية بخلطه بالميثانول، أو بمواد كيميائية سامّة أخرى" انتهى من "الموسوعة العربية العالمية" مختصرا .
وقال الدكتور محمد علي البار: " تستخدم الغول (الكحول) كمطهر خارجي، كما تستعمل في بعض الحالات النادرة لإماتة عصب من الأعصاب المسبب للألم المبرح، وتستخدم أيضاً بكثافة في العطور وما يسمى البارفان والكولونيا.. وتصل نسبة الكحول في الكولونيا إلى 90 بالمئة..
وبما أن هذه الكولونيا قد تُشرب، وخاصة في الأماكن التي يمنع فيها تعاطي الخمور، فإن الشركات المصنعة تضيف إليها مادة أخرى شديدة السمية من أنواع الغول (الكحول)، وهي الكحول المتيلي.
وقد حدثت حوادث كثيرة في قطر والسعودية ودول الخليج الأخرى وفي الهند، أدت إلى وفاة العشرات ، وأحياناً المئات من الأفراد، نتيجة شرب هذه المواد السامة، فالكحول المتيلي مادة سامة، بل شديدة السمية، وتؤدي إلى هبوط (احتشاء أو فشل) عضلة القلب نتيجة الاعتلال السمي لعضلة القلب Toxic Cardiomyo pathy، كما أنها تؤدي إلى إصابة عصب الإبصار، مسببة العمى للأشخاص الذي أمكن إنقاذهم من براثن الموت " انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" العدد 8 ج 3 ص 315 بحث بعنوان: التداوي بالمحرمات.
القول الرابع:
أنه على فرض أن الكحول مسكر، فهو غير نجس، واستعماله في غير الشرب جائز.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " عن حكم استعمال الكحول في تعقيم الجروح وخلط بعض الأدوية بشيء من الكحول؟
فأجاب فضيلته بقوله: استعمال الكحول في تعقيم الجروح: لا بأس به، للحاجة لذلك.
وقد قيل إن الكحول تذهب العقل بدون إسكار، فإن صح ذلك، فليست خمرا.
وإن لم يصح، وكانت تسكر: فهي خمر، وشربها حرام بالنص والإجماع.
وأما استعمالها في غير الشرب، فمحل نظر.
فإن نظرنا إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، قلنا: إن استعمالها في غير الشرب حرام، لعموم قوله: (فاجتنبوه).
وإن نظرنا إلى قوله تعالى في الآية التي تليها: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)، قلنا: إن استعمالها في غير الشرب جائز، لعدم انطباق هذه العلة عليه.
وعلى هذا فإننا نرى أن الاحتياط عدم استعمالها في الروائح.
وأما في التعقيم: فلا باس به، لدعاء الحاجة إليه، وعدم الدليل البين على منعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" ص 270 جـ 24 من مجموع الفتاوى: "التداوي بأكل شحم الخنزير لا يجوز.
وأما التداوي بالتلطخ به، ثم يغسله بعد ذلك: فهذا مبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة، وفيه نزاع مشهور.
والصحيح: أنه يجوز للحاجة. وما أبيح للحاجة جاز التداوي به اهـ.
فقد فرق شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ بين الأكل وغيره، في ممارسة الشيء النجس. فكيف بالكحول التي ليست بنجسة؟ لأنها إن لم تكن خمرا، فطهارتها ظاهرة. وإن كانت خمرا، فالصواب عدم نجاسة الخمر…" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/ 256).
فهذه أربعة أقوال لأهل العلم في الكحول.
ولا شك أن الأحوط والأبرأ لدينك: البعد عن استعمال الكحول مطلقا.
وينبغي البحث عن مواد أخرى تزيل الصبغة غير الكحول.
فإن تعذر ذلك، فنرجو أن لا يكون عليك حرج في استعمال الكحول الميثلي، مراعاة للقول بالتفريق بين الإيثيلي والميثيلي.
وشعورك بالدوار من استنشاق الكحول، لا يدل على أن الكحول مسكر، بل هو سام ضار، كما تقدم، ولو استعملت كمامة ونحوها لتوقي استنشاق الكحول، كان حسنا.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة