0 / 0

هل لصلاة العصر راتبة قبلية أو بعدية؟

السؤال: 534811

هل إذا فاتتني ركعتان من الأربع ركعات المستحبة قبل العصر أو الأربع ركعات كلها، يجوز قضاؤها بعد صلاة العصر؟

ملخص الجواب

صلاة العصر لا راتبة لها، وما ورد فيها من أحاديث قد أعلّه عدد من الأئمة، وغاية ما صح أن قبل العصر من أوقات التطوع والتنفل المطلق، ومثله لا يقضى بعد العصر.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

يستحب قضاء السنن الرواتب إذا فات وقتها لعذر، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (114233).

والأصل أن الوقت بعد صلاة العصر ينهى عن التنفل فيه، لكن ورد ما يجيز قضاء الرواتب الفائتة فيه، كمن فاتته راتبة الظهر حتى صلى العصر، جاز له أن يقضي هذه الراتبة بعد العصر، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (146713).

لكن الراجح أن صلاة العصر لا راتبة لها، فالثابت أن رواتب الصلوات عشر ركعات.

كما روى البخاري (1180)، ومسلم (729): عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قالَ: " حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكَعاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَها، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، كانَتْ ساعَةً لا يُدْخَلُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيها".

حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّهُ كانَ إذا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ، وَطَلَعَ الفَجْرُ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ".

وورد أيضا أنها اثنتا عشر ركعة، كما عند الإمام مسلم (728): عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ قَالَ: "حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِحَدِيثٍ يَُتَسَارُّ إِلَيْهِ. قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ. قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ). وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ.

وهاتان الركعتان الزائدتان على العشر هما من راتبة الظهر القبلية، حيث كان يصلي قبل الظهر أربعا، كما في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَطَوُّعِهِ فَقَالَتْ: ( كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ. وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا. وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ. وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ" رواه مسلم (730).

وأما العصر فلم يثبت لها راتبة قبلية ولا بعدية، وكل ما ورد فيها قد أعله أئمة الحديث.

وأقوى ما ورد في هذا ما رواه أبو داود الطيالسي في "المسند" (3/444)، ومن طريقه رواه الإمام أحمد (10/188)، وأبو داود (1271)، والترمذي (430): عن مُحَمَّد بْن مُسْلِمِ بْنِ مِهْرَانَ، سَمِعَ جَدَّهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رَحِمَ اللهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا).

وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ".

فمداره على محمد بن مسلم بن مهران، وإن وثقه بعض الأئمة إلا أنه تكلم فيه آخرون، وتكلموا في حديثه هذا.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

" محمد بن مسلم بن المثنى ويقال محمد بن مهران بن مسلم بن المثنى روى عن جده عن ابن عمر …

سمعت محمد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا حفص عمرو بن علي، يقول: محمد بن مهران يكنى أبا المثنى، روى عنه أبو داود الطيالسي أحاديث منكرة في السواك وغيره…

سئل أبو زرعة عن محمد بن مسلم بن المثنى الذى يروى عن جده عن ابن عمر عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( من صلى قبل العصر … )، فقال: هو واهى الحديث" انتهى. "الجرح والتعديل" (8/78).

وأعله في العلل بمخالفته لحديث ابن عمر المتفق عليه في الرواتب.

قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:

" وسمعت أبي يقول: سألت أبا الوليد الطّيالسيّ، عن حديث مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ المُثَنَّى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ: ( رَحِمَ اللَّه مَنْ صَلَّى قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعًا )؟

فقال: دع ذي!

فقلت: إنّ أبا داود قد رواه.

فقال أبو الوليد: كَانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ: ( حفِظتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكَعاتٍ فِي اليَومِ واللَّيلَةِ … )، فلو كان هذا لعدّه.

قال أبي: يعني: كان يقول: ( حفِظتُ اثنَيْ عَشَرَ رَكْعَةً ) " انتهى. "العلل" (2 / 215).

وكذا مارواه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 467)، وأبو داود (1272)، والترمذي (429): عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ ).

وقال الترمذي: " حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ".

لكن عاصم بن ضمرة رأى عدد من الأئمة أن في مروياته عن علي، بعض ما يستنكر.

قال ابن عدي رحمه الله تعالى:

"وعاصم بن ضمرة لم أذكر له حديثا لكثرة ما يروي عن علي مما ينفرد به، ومما لا يتابعه الثقات عليه، والذي يرويه عن عاصم قوم ثقات، البلية من عاصم ليس ممن يروي عنه " انتهى. "الكامل في ضعفاء الرجال" (8 / 220).

وقال ابن حبان رحمه الله تعالى:

"عاصم بن ضمرة السلولي، من أهل الكوفة، يروي عن علي بن أبي طالب، روى عنه الحكم بن عتيبة وأبو إسحاق السبيعي، كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، رفع عن علي قوله كثيرا، فلما فحش ذلك في روايته استحق الترك، على أنه أحسن حالا من الحارث " انتهى. "المجروحين" (2 / 107).

وقال المعلمي رحمه الله تعالى:

"والذي يتحرّر: أن عاصما صدوق، وليس بحجة فيما يخالف فيه. والله أعلم " انتهى. "تراجم منتخبة من "التهذيب" و "الميزان" – ضمن آثار المعلمي" (14 / 88).

ومما استنكر حديثه هذا لمخالفته لحديث عائشة وأم حبيبة وابن عمر في السنن الرواتب التي كان يداوم عليها النبي صلى الله عليها وسلم قبل الفرائض أو بعدها، فلم يذكروا فيها نافلة صلاة العصر.

قال الجوزجاني رحمه الله تعالى:

"وعاصم بن ضمرة عندي … روى عنه أبو إسحاق حديثا في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة ركعة … ثم يصلي قبل العصر أربع ركعات فهذه ست عشرة ركعة.

فيا لعباد الله! أما كان ينبغي لأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه يحكي هذه الركعات إذ هم معه في دهرهم والحكاية عن عائشة رضي الله عنها في الاثنتي عشرة ركعة من السنة، وابن عمر عشر ركعات، والعامة من الأمة أو من شاء الله قد عرفوا ركعات السنة الاثنتي عشرة منها بالليل ومنها بالنهار.

فإن قال قائل: كم من حديث لم يروه إلا واحد؟!

قيل: صدقت كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس فيتكلم بالكلمة من الحكمة لعله لا يعود لها آخر دهره فيحفظها عنه رجل، وهذه ركعات كما قال عاصم كان يداوم عليها فلا يشتبهان " انتهى. "أحوال الرجال" (ص 34 — 37).

وقال البيهقي رحمه الله تعالى:

" تفرّد به عاصم بن ضمرة عن عليّ رضي الله عنه، وكان عبد الله بن المبارك يضعّفه فيطعن في روايته هذا الحديث " انتهى. "السنن الكبير" (5 / 488).

وغاية ما ورد في هذا عموم حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ. ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ ) رواه البخاري (627)، ومسلم (838).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

"لا اختلاف أن المراد بالأذانين في الحديث: الأذان والإقامة، وليس المراد الأذانين المتواليين، وإن كانا مشروعين كأذان الفجر إذ يكرر مرتين…

وأما بين الأذانين لصلاة العصر، فهذا الحديث يدل على أنه يشرع بينهما صلاة.

وقد ورد في الأربع قبل العصر أحاديث متعددة، وفي الركعتين – أيضا. واختلفوا: هل يلتحق بالسنن الرواتب؟ والجمهور على أنها لا تلتحق بها " انتهى. "فتح الباري" (5 / 355 — 356).

وحديثه هذا شبيه بحديثه الآخر عند البخاري (1183) عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْمُزَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ ). كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر شيئا وإنما كان يصلي قبل الظهر: إما ركعتين وإما أربعا وبعدها. وكان يصلي بعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ركعتين. وأما قبل العصر وقبل المغرب وقبل العشاء فلم يكن يصلي؛ لكن ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ( بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ ) كراهية أن يتخذها الناس سنة. فمن شاء أن يصلي تطوعا قبل العصر فهو حسن. لكن لا يتخذ ذلك سنة، والله أعلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (23 / 124).

فالذي يترجح أن ما يتنفل به المسلم قبل العصر إذا فاته لا يقضيه بعد العصر؛ لأن التنفل قبل العصر من التطوع الذي لا يبلغ حد الراتبة، ولم يرد التأكيد على المداومة عليه بحيث إذا فات الإنسان استحب له أن يقضيه، والأصل أن ما بعد العصر ينهى عن الصلاة فيه.

كما روى البخاري (588)، ومسلم (825) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ( نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ).

والله أعلم.

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android