0 / 0

إذا قام الإمام عن التشهد الأول ثم رجع فهل يتابعه المأموم؟

السؤال: 536697

هل إذا نسى الإمام الجلوس للتشهد الأول ثم قام هو والمأمومين للركعة الثالثة، واستتموا قياما، وتذكر الإمام، ثم رجع إلى التشهد الأوسط، فهل يتابعه المأمومون أم يستمرون في القيام ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

الأصل في هذه المسالة حديث عبد الله بن بُحينة رضي الله عنه: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهْوَ جَالِسٌ ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، ثُمَّ سَلَّمَ "رواه البخاري (829)، ومسلم (570).

وزاد ابن خزيمة "(1031) "فسبحوا به، فمضى ولم يرجع".

فإذا قام المصلي عن التشهد الأول، واستتم قائما، ثم رجع عامدا ذاكراً؛ فاختلف العلماء صحة صلاته.

القول الأول: إذا رجع بعد أن استتم قائما-ولو قبل الشروع في القراءة- فصلاته باطلة، وهو قول الأحناف والشافعية، وبعض المالكية، واختاره الشيخ ابن عثيمين.

القول الثاني: ذهب الحنابلة، والمالكية في المشهور من مذهبهم: إلى أن صلاته صحيحة، إن رجع بعد أن استتم قائما.

فإن رجع بعد الشروع في قراءة الفاتحة: بطلت صلاته عند الحنابلة.

أما المالكية فلا تبطل عندهم إلا إذا رجع بعد تمام قراءة الفاتحة.

فإن كان قد رجع جاهلا بما يلزمه، أو جاهلا ببطلان صلاته، إن كان في صورة البطلان، أو غالطا، كما يحصل لكثير من الأئمة، يكون عالما بالحكم، فيكثر المأمومون عليه من التنبيه، فيرتبك، ولا يضبط تصرفه، أو يكون عالما بالحكم، لكنه ينسى في تلك الحال فلا تبطل صلاته في ذلك كله، ولو كان بعد قراءة الفاتحة.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (24/ 244):

"وقع الخلاف فيما لو عاد بعد أن استتم قائما، هل تبطل صلاته أم لا؟

ذهب الحنفية، والشافعية على الصحيح عندهم، وسحنون من المالكية: إلى أن المصلي لو عاد إلى التشهد الأول: بطلت صلاته. لحديث المغيرة الذي فيه النهي عن أن يعود وهو قوله: (وإذا استوى قائما فلا يجلس).

ولأنه تلبس بفرض، فلا يجوز تركه لواجب أو مسنون.

وذهب المالكية على المشهور في المذهب، والحنابلة: إلى أن الأولى ألا يعود، لحديث المغيرة بن شعبة: (وإذا استوى فلا يجلس).

ولا تبطل صلاته إن عاد، ولكنه أساء. وكُره، خروجا من خلاف من أوجب المضي لظاهر الحديث.

واستثنى الحنابلة: ما لو شرع الإمام في القراءة، فإن صلاته تبطل إن عاد؛ لأنه شرع في ركن مقصود، كما لو شرع في الركوع.

وذهب الجمهور إلى أن المصلي إذا عاد للتشهد بعد أن استتم قائما، ناسيا، أو جاهلا من غير عمد: فإن صلاته لا تبطل. للحديث: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) انتهى .

وجاء في " شرح منتهى الإرادات "(حنبلي) (2/ 229):

«الأَولى له إذا استتم قائماً، ألا يرجع؛ لما تقدم من حديث المغيرة.

(وحرُم) رجوعه، إن شرع في القراءة، قولاً واحداً، لأنه شرع في ركن مقصود، وهو القراءة؛ فلم يجز له الرجوع، كما لو شرع في الركوع.

وبطلت صلاته إن رجع بعد الشروع في القراءة، عمداً، عالماً بالتحريم؛ لأنه زاد في الصلاة من جنسها متعمداً؛ أشبه ما لو زاد ركوعاً أو سجوداً.

لا إن نسي، أو جهل تحريم رجوعه؛ لأن القلم مرفوع عن الناسي.

ويلحق به الجاهل، لأن جهل ذلك مما يخفى على كثير من الناس، ولا يمكن تكليف كل أحد تعلمه" انتهى .

وجاء في " الشرح الممتع " لابن عثيمين رحمه الله: (3/377):

" قوله: وَإِنْ نَسِي التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ ، وَنَهَضَ: لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِماً. فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِماً، كُرِهَ رُجُوعُهُ  .
والمكروه : إذا استتمَّ قائماً ، ولم يشرع في القراءة . ولو رَجَعَ لم تبطل ؛ لأنه لم يفعل حراماً.
وقال بعض العلماء: يحرم الرُّجوع إذا استتمَّ قائماً، سواءٌ شرعَ في القِراءة أم لم يشرعْ؛ لأنه انفصلَ عن محلِّ التشهُّد تماماً.

وهذا أقرب إلى الصَّواب " انتهى.

وقال الحطاب المالكي رحمه الله: "ولا تبطل صلاته إن رجع للجلوس بعد مفارقة الأرض بيديه وركبتيه جميعًا.

ولو رجع عمدًا بعد أن استقل قائمًا.

ولو رجع بعد قراءة بعض الفاتحة.

فإن رجع بعد قراءتها كلها: بطلت صلاته" انتهى من "مواهب الجليل" (1/ 230).

ثانياً:

إذا رجع الإمام بعد أن قام عن التشهد الأول: فاختلف العلماء في حال المأمومين هل يتابعونه أم لا؟

فذهب الشافعية إلى أنهم لا يتابعونه إذا عاد، بعد أن استتم قائما؛ لأنه إن فعله عامدًا، بطلت صلاته. وإن فعله خطأ، فلا يتابع على الخطأ.

وخيروا المأموم بين المفارقة، والانتظار، لاحتمال الجهل والنسيان برجوعه.

قال النووي رحمه الله:

"ولو انتصب مع الإمام، فعاد الإمام للتشهد: لم يجز للمأموم العود؛ بل ينوي مفارقته.

وهل له أن ينتظره قائما، حملا على أنه عاد ناسيا؟

فيه وجهان…، أصحهما له ذلك.

فلو عاد المأموم مع الإمام، عالما بتحريمه: بطلت صلاته.

وإن عاد ناسيا أو جاهلا: لم تبطل.

ولو قعد المأموم، فانتصب الإمام، ثم عاد لزم المأموم القيام؛ لأنه توجه عليه بانتصاب الإمام" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (4/ 131).

وذهب الحنابلة إلى أنهم لا يتابعونه إذا رجع بعد أن شرع في القراءة، أما قبل الشروع، فإنهم يتابعونه لجواز الرجوع قبل الشروع في القراءة، على المذهب.

قال ابن قدامة رحمه الله:

"ولو رجع إلى التشهد بعد شروعه في القراءة: لم يكن لهم متابعته في ذلك؛ لأنه أخطأ.

فأما الإمام، فمتى فعل ذلك عالما بتحريمه: بطلت صلاته؛ لأنه زاد في الصلاة من جنسها عمدا، أو ترك واجبا عمدا.

وإن كان جاهلا بالتحريم أو ناسيا: لم تبطل؛ لأنه زاد في الصلاة سهوا. ومتى علم بتحريم ذلك وهو في التشهد، نهض، ولم يتم الجلوس" انتهى من "المغني" لابن قدامة (2/ 422).

وقال البعلي: "وإن رجع قبل شروعه في القراءة لزمهم متابعته، ولو شرعوا فيها" انتهى من "الروض الندي" (ص87).

وذهب المالكية إلى أنه إذا رجع الإمام إلى الجلوس قبل أن يتم الفاتحة وجب على المأمومين متابعته.

قال الدردير رحمه الله: " فإن رجع للتشهد، ولو عمدا: لم تبطل صلاته.

ولو استقل قائما: تبعه مأمومه في الرجوع وجوبا: قال الصاوي في الحاشية: قوله: [ولو استقل قائما]: أي بل ولو قرأ بعض الفاتحة، أما لو قرأها كلها ورجع فالبطلان" انتهى من "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (1/ 395).

واختار الشيخ ابن باز رحمه الله أنّ المأموم يتابع الإمام إذا رجع ولو بعد الشروع في القراءة، لاحتمال أنه فعل ذلك جهلا أو نسيانا. والواجب على المأمومين التأسي بالإمام، والاقتداء به، وعدم المخالفة، إلا بيقين يعلمون أنه لا يجوز فيه المتابعة، كالذي قام لخامسة، وهم يعلمون أنها خامسة لا يقومون معه، أو قام لرابعة في المغرب، وهم يعلمون أنها رابعة لا يقومون معه، أو قام لثالثة في الفجر.

قال الشيخ رحمه الله:

"إذا قام الإمام عن التشهد الأول ناسيًا، ثم نُبِّه، وتنبه، ورجع؛ فلا حرج، وعلى المأمومين أن يرجعوا، ويجلسوا معه، ويأتوا بالتشهد، وعليه أن يصلي، وأن يسجد سجدتين للسهو قبل السلام، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قام في التشهد الأول في بعض صلواته، ثم سجد سجدتين قبل أن يسلم، عليه الصلاة والسلام. 

لكن إذا كان هذا الإمام استوى قائمًا؛ فالأفضل له عدم الرجوع، لكن لو رجع؛ فلا حرج عليه، وعليهم أن يرجعوا معه، وصلاته صحيحة، وليس في هذا إعادة.

أما إن شرع في القراءة؛ فإنه لا يرجع، يستمر، ويسجد للسهو بعد فراغه من التشهد والدعاء، يسجد للسهو قبل أن يسلم كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام.

فلو رجع جاهلًا بالحكم، ولو قد شرع في القراءة جاهلًا بالحكم، ورجع؛ صلاته صحيحة، يعذر بالجهل، وعليهم أن يرجعوا معه، فيتشهدوا، ثم يقوموا معه إذا قام.

والأصل في هذه المسائل: أن الواجب على المأمومين التأسي بالإمام، والاقتداء به، وعدم المخالفة، إلا بيقين يعلمون أنه لا يجوز فيه المتابعة، كالذي قام لخامسة، وهم يعلمون أنها خامسة لا يقومون معه، أو قام لرابعة في المغرب، وهم يعلمون أنها رابعة لا يقومون معه، أو قام لثالثة في الفجر، أو في الجمعة، وهم يعلمون أنها ثالثة لا يقومون، أما الذي لا يعلم فإنه يتابع إمامه الذي لا يعلم، يتابع إمامه" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز " (9/ 397).

وقد سبق في جواب السؤال رقم: (12585) ، نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أنه يجب على المأموم أن يتابع  إمامه في المسائل الاجتهادية ، حتى ولو كان المأموم يرى أنها من مبطلات الصلاة ، فليرجع إلى كلامه رحمه الله ، فإنه نافع.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android