0 / 0

هل تذكير ناكر المعروف بالفضل يعد من المنّ؟

السؤال: 538025

شخص كان يفعل لي شيئا أكرهه ولم يندم، أو حتى يعتذر على فعلته، فأخذت أذكره بأشياء حسنة كنت أفعلها له؛ لكي أثبت له أنني أعامله بطريقة حسنة، فلم لا يعاملني بطريقة حسنة أيضا؟
وتفاقم الحديث ؛ لأنه قال لي: لم افعل له معروفا أبدا، فذكرته بموقف بيني وبينه فسكت، فهل أدخل في حكم المنان؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

"المنّ: ذكر النعمة والإحسان ليراعيَه المحسَن إليه للذاكر، ويكون صريحاً، ويكون بالتعريض" انظر: التحرير والتنوير" (26/ 269).

والمنّ بين الناس مذموم، مطلقا. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) البقرة/264.

قال ابن كثير، رحمه الله:

(يمدح تعالى الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منا على من أعطوه، فلا يمنون على أحد، ولا يمنون به لا بقول ولا فعل.

وقوله: {ولا أذى} أي: لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان. ثم وعدهم تعالى الجزاء الجزيل على ذلك، فقال: {لهم أجرهم عند ربهم} أي: ثوابهم على الله، لا على أحد سواه {ولا خوف عليهم} أي: فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة {ولا هم يحزنون} أي: على ما خلفوه من الأولاد وما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها، لا يأسفون عليها؛ لأنهم قد صاروا إلى ما هو خير لهم من ذلك" انتهى، من "تفسير ابن كثير (1/693).

وجاء ذم المنّ والوعيد على من فعله في أحاديث عدة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمَنَّانُ الَّذِي لا يُعْطِي شَيْئًا إِلاَّ مَنَّهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ) رواه الإمام مسلم.

وقوله: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ خَمْسٍ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا كَاهِنٌ وَلَا مَنَّانٌ) أحمد (‏10895‏) بسند صحيح.

وقوله: (لا يدخل الجنّة خبّ، ولا منّان، ولا بخيل) الترمذي (1963)، وقال: هذا حديث حسن غريب.

قال القرطبيّ رحمه الله: "المنّ: ذكر النّعمة على معنى التّعديد لها والتّقريع بها، مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه" "تفسير القرطبي" (3/ 308).

ثانياً:

يجوز المنّ إذا لزم الأمر في مورد تذكير من يكفر النعمة والإحسان، أو عند من يحتاج إلى التذكير بها لئلا يقع في محظور. كما ذكّر النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار يوم أن وقع في نفوسهم شيء عليه في قسمة المال.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ؛ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ حُنَيْنًا قَسَمَ الْغَنَائِمَ. فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ. فَبَلَغَهُ أَنَّ الْأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصِيبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهُمْ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي؟ " وَيَقُولُونَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. فَقَالَ" أَلَا تُجِيبُونِي؟ " فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ…الحديث) مسلم (1061).

قال الراغب الاصفهاني رحمه الله:

"وذلك -أي المن- مستقبح فيما بين الناس؛ إلّا عند كفران النّعمة.

ولقبح ذلك قيل: المِنَّةُ تهدم الصّنيعة.

ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كُفِرت النّعمة، حسنت المنّة. " انتهى من "المفردات في غريب القرآن" (ص777).

وقال ابن حزم رحمه الله:

«"ولا يحل لأحد أن يمن بما فعل من خير؛ إلا من كثُر إحسانه، وعومل بالمساءة، فله أن يعدد إحسانه" انتهى من "المحلى بالآثار" (8/ 123).

قال المرداوي رحمه الله:

"ويحتمل أن يحرم المن؛ إلا عند من كُفِر إحسانُه، وأُسِئَ إليه" انتهى من "الإنصاف" (7/ 321).

وقال الرحيباني رحمه الله:

"لا يبطل الثواب بالمن، إذا كان لقصد تربية وتأديب؛ لحديث عبد الله بن زيد. "أن النبي. – صلى الله عليه وسلم – أعطى المؤلفة ولم يعط الأنصار، فكأنهم وجدوا، فقال: (يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا، فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين، فألفكم الله بي؟ وعالة، فأغناكم الله بي؟) فقالوا: الله ورسوله أمن" الحديث متفق عليه" انتهى من "مطالب أولي النهى" (2/ 167).

 وعليه؛ فإن تذكيرك لصاحبك الذي ينكر ما فعلته له من معروف ويقابلك بالكفران والإساءة لا بأس به، ولا يدخل في المن المنهي عنه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android