0 / 0

هل يجوز إفراد يوم السبت بالصوم للحاجة؟

السؤال: 538111

وفقني الله في الفترة الأخيرة إلى صيام يومي الإثنين والخميس، وأشعر بالحاجة إلى صيام يوم ثالث معهم لإصلاح نفسي أكثر، على أن يكون هذا اليوم غير متصل، ولم أجد أنسب من يوم السبت، فهل يجوز في تلك الحالة صيام السبت مع يومي الأثنين والخميس، أم لا يجوز صيام السبت تحت أي شرط؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

ذهب جمهور أهل العلم إلى كراهة إفراد يوم السبت بالصوم، إلا أن يوافق سببا شرعيا لصيامه، كيوم عرفة وعاشوراء، أو كان يوافق عادة له في الصوم، كمن يصوم يوما ويفطر يوما، فهذا جائز عند جماهير أهل العلم.

قال الكاساني رحمه الله:

ويكره صوم يوم السبت بانفراده، لأنه تشبه باليهود. وكذا صوم يوم النيروز، والمهرجان، لأنه تشبه بالمجوس …". انتهى من "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 79):

وقال النووي رحمه الله:

"يكره إفراد يوم السبت بالصوم. فإن صام قبله أو بعده معه: لم يكره.

 صرح بكراهة إفراده أصحابنا، منهم الدارمي والبغوي والرافعي وغيرهم، لحديث عبد الله بن بسر بضم الباء الموحدة والسين المهملة، عن أخته الصماء رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وغيرهم، وقال الترمذي هو حديث حسن. قال: ومعنى النهي، أن يختصه الرجل بالصيام، لأن اليهود يعظمونه". 

ثم قال: "والصواب على الجملة، ما قدمناه عن أصحابنا: أنه يكره إفراد السبت بالصيام، إذا لم يوافق عادة له لحديث الصماء" انتهى من "المجموع شرح المهذب" (6/339-440).

وقال ابن قدامة رحمه الله:

"قال أصحابنا: يكره إفراد يوم السبت بالصوم؛ لما روى عبد الله بن بسر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: (لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم). أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن. وروى أيضا عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب، أو عود شجرة، فليمضغه). أخرجه أبو داود…

قال الأثرم: قال أبو عبد الله: أما صيام يوم السبت يفترد به، فقد جاء فيه حديث الصماء، وكان يحيى بن سعيد يتقيه، أي: أن يحدثني به، وسمعته من أبى عاصم.

والمكروه إفراده، فإن صام معه غيره لم يكره؛ لحديث أبى هريرة وجويرية.

وإن وافق صوما لإنسان، لم يكره، لما قدمناه" انتهى من "المغني" (4/ 428).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال :

الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ، كرمضان، أداء أو قضاءٍ ، وكصيام الكفارة ، وبدل هدي التمتع ، ونحو ذلك: فهذا لا بأس به، ما لم يخصه بذلك معتقدا أن له مزية .

الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة، فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحدى أمهات المؤمنين، وقد صامت يوم الجمعة: ( أصمت أمس؟ ) قالت: لا ، قال: (أتصومين غدا؟) قالت: لا. قال: (فأفطري). فقوله: ( أتصومين غدا ؟ ): يدل على جواز صومه مع الجمعة .

الحال الثالثة: أن يصادف صيام أيام مشروعة كأيام البيض ويوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، وستة أيام من شوال لمن صام رمضان ، وتسع ذي الحجة: فلا بأس ، لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت ، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها .

الحال الرابعة : أن يصادف عادة، كعادة من يصوم يوما ويفطر يوما، فيصادف يوم صومه يوم السبت، فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: ( إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه ) ، وهذا مثله .

الحال الخامسة : أن يخصه بصوم تطوع، فيفرده بالصوم: فهذا محل النهي، إن صح الحديث في النهي عنه " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمينن" (20/57-58).

ثانياً:

ذهب بعض أهل العلم إلى عدم كراهة صوم يوم السبت منفردا، مطلقاً؛ لعدم صحة ما ورد في النهي عن صيامه؛

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"ولا يكره إفراد يوم السبت بالصوم" انتهى من "الفتاوى الكبرى لابن تيمية" (5/ 378).

وقال ابن حجر رحمه الله:

"منها -مخالفة أهل الكتاب- ما يظهر لي النهي عن صوم يوم السبت. وقد جاء ذلك من طرق متعددة في النسائي وغيره، وصرح أبو داود بأنه منسوخ، وناسخه حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول: إنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم. وفي لفظ: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان أكثر صيامه السبت والأحد. أخرجه أحمد والنسائي.

وأشار بقوله: يوما عيد إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود، والأحد عيد عند النصارى، وأيام العيد لا تصام؛ فخالفهم بصيامها.

ويستفاد من هذا أن الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيدا، بل الأولى في المحافظة على ذلك: يوم الجمعة، كما ورد الحديث الصحيح فيه. وأما السبت والأحد: فالأولى أن يصاما معا، وفرادى، امتثالا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب" انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (10/ 362).

وقال البيهقي رحمه الله في "بابُ ما ورَدَ مِنَ النَّهىِ عن تَخصيصِ يَومِ السَّبتِ بالصَّومِ" بعد أن سرد الأحاديث الواردة في الباب:

"وكأنَّه أرادَ بالنَّهىِ-في حديث الصماء- تَخصيصَه بالصَّومِ على طَريقِ التَّعظيمِ له، واللهُ أعلَمُ" انتهى من "السنن الكبير للبيهقي" (9/ 131).

وإلى القول بجواز إفراد السبت مطلقاً، من غير كراهة: ذهب الشيخ ابن باز. قال رحمه الله:

"الحديث الذي فيه النهي عن صيام يوم السبت إلا فيما افترض علينا: حديث شاذ ضعيف، مضطرب، فلا حرج في صوم يوم السبت مع الجمعة أو مع الأحد أو وحده، لا حرج في ذلك، والحديث المذكور ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما نبه عليه الحفاظ" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (16/ 473).

وقال: "صوم يوم السبت صحيح، ولو مفردًا، والحديث الذي فيه النهي عن صوم يوم السبت حديث ضعيف، مضطرب عند أهل العلم، لا يعتمد عليه، لكن لو صمت السبت مع الأحد، أو مع الجمعة كان أفضل، وإلا فالصوم ليوم السبت مفردًا: الصحيح أنه لا حرج فيه، وأن الحديث فيه ضعيف لاضطرابه، وعدم استقامة أسانيده، ولكن من باب الورع، والخروج من الخلاف إذا صام الإنسان يوم السبت يصم معه الأحد، أو الجمعة" انتهى

والحاصل: أنه ينبغي ألا يفرد يوم السبت بصوم، كما هو مذهب جمهور أهل العلم.

فإن وافق صوما يعتاده، أو يوما له فضيلة في صومه أو وجد حاجة لصومه كأن يكون يوما يتفرغ فيه من أشغاله: لم يكره صومه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android