0 / 0

هل يحرم ضرب الوجه مطلقاً ولو دفاعاً عن النفس؟

السؤال: 538600

بخصوص ضرب الوجه، هل هناك لحظات يُسمح فيها بذلك، أم إنه محرَّم تمامًا؟ كيف يمكن للمرء الدفاع عن نفسه وفقًا للشريعة إذا كان محرَّما تمامًا؟ فهل هناك إجماع حول هذه المسألة؟ لقد قرأت جميع فتاواكم، الرجاء الردّ الشامل والطويل على أسئلتي مدعوما بالمصادر.

ملخص الجواب

لا يجوز لطم الوجه مطلقاً، ولو في الدفاع عن النفس، ويستثنى من ذلك القصاص إذا لم يكن جرح، فإذا كان هناك جرح ففيه حكومة؛ يقضي القاضي بالأرش، ويعطيه تعويضاً.

موضوعات ذات صلة
الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

لا يجوز ضرب أحدٍ على وجهه، بأي نوع من أنواع الضرب، سواء كان على سبيل التأديب ، أو التعليم ، أو التدريب، أو إقامة حد أو تعزير، أو دفاع عن النفس.

وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ ). رواه البخاري (2560)، ومسلم (2612) واللفظ له ، وفي رواية له بلفظ: ( إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ … ).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ: كُلّ مَنْ ضُرِبَ فِي حَدّ ، أَوْ تَعْزِير ، أَوْ تَأْدِيب". من "فتح الباري" (5/183).

وينظر: فتوى: (141391)، (175170)، (229943)، (10427).

وقال الصنعاني في الحديث المتقدّم: "وهو دليل على تحريم ضرب الوجه، وأنه يُتقى؛ فلا يضرب، ولا يلطم، ولو في حد من الحدود الشرعية، ولو في الجهاد" انتهى  "سبل السلام" (2/667).

قال النووي رحمه الله: "هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه؛ لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأعضاؤه نفيسة لطيفة، وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه، وقد ينقصها وقد يشوه الوجه، والشين فيه فاحش؛ لأنه بارز ظاهر، لا يمكن ستره، ومتى ضربه لا يسلم من شين غالباً، ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه" انتهى  "شرح مسلم" (16/ 165).

قال أبو بكر الجصاص: "اتفق الجميع على ترك ضرب الوجه والفرج". أحكام القرآن (3/385).

وقال القرطبي: "اتفقوا على أنه لا يضرب في الوجه ".  "تفسير القرطبي" (12/162).

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: ضرب الوجه حرام في المرأة وغيرها؟

الجواب:

"نعم، حتى في الدابة يَحْرُم ضرب الوجه مطلقًا، يقول صلى الله عليك وسلم : (إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه) في الدابة وفي غيرها، وفي المرأة والولد والخادم". (دروس شرح بلوغ المرام، كتاب النكاح).

وقال: "بل على ولي اليتيم أن يُؤَدِّبه إذا ما نفع فيه الكلام بالضرب، لكن ما يضرب الوجه، يضرب في غير الوجه، في محلات مثل: كتفه، إليته، فخذه، ظهره، شيء خفيف يحصل به الردع"اهـ. فتاوى الدروس.

ثانياً:

من لطم غيره في وجهه، ثم جُرح الوجه: ففيه حكومة (يعني: أرش).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والمشهور عن مالك، وهو قول الأكثر: لا قود في اللطمة؛ إلا إن جَرحت، ففيها حكومة". يعني: أرش. "فتح الباري" (12/229)  

ثالثاً:

اختلف العلماء في اللطمة على الخدّ هل فيها قصاص؟ أو تعزير وتأديب فقط.

القول الأول: مذهب الحنفية، (والمشهور عند المالكية) والشافعية، والحنابلة: أنه لا قصاص في الضربة واللطمة ونحوهما؛ بل فيها التعزير.

ففي "الفتاوى الهندية" (6/ 9)، و"الجوهرة النيرة" (2/ 123) "ولا قصاص في اللطمة". 

وفي "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (6/ 247): " (كَلَطْمَةٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْأَدَبُ" وانظر: "شرح الزرقاني" (8/ 26).

وفي "الحاوي الكبير" (12/ 172): "وإن كانت اللطمة لا يذهب في الأغلب منها ضوء العين، ويجوز أن يذهب؛ فلا قصاص فيها" وانظر: "الأم للشافعي" (7/ 345).

وفي "الإنصاف" (10/ 15): "لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا… وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ" وانظر: "الإقناع" (4/190).

قالوا: لأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِي ذَلِكَ الْحَيْفِ؛ والمماثلة فيها غير ممكنة. "الإنصاف" (10/ 15)، "كشاف القناع" (13/ 300).

"واحتج مالك في ذلك، فقال: ليس لطمة المريض الضعيف مثل لطمة القوي، وليس العبد الأسود يلطم، مثل الرجل ذي الحالة والهيئة، وإنما في ذلك كله الاجتهاد، لجهلنا بمقدار اللطمة" "تفسير القرطبي" (6/ 206).

"واعتل من لم ير ذلك: بأن اللطم يتعذر ضبطه وتقديره، بحيث لا يزيد ولا ينقص".

"فتح الباري" لابن حجر (12/215).

القول الثاني: رواية عن مالك، ورواية عن أحمد، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم: أنه يقتص من اللطمة ونحوها، مما تمكن فيه المماثلة.

ففي "الكافي في فقه أهل المدينة" لابن عبد البر (ص: 594): "وقد روي عنه ..أن الضربة بالسوط فيها القود، وكذلك اللطمة ان لم تكن في العين"اهـ.

"قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني حدثني إسماعيل بن سعيد قال: سألتُ أحمد بن حنبل عن القصاص من اللطمة والضربة، فقال: عليه القود من اللطمة والضربة".

"إعلام الموقعين" (3/ 68)، "الفروع" (9/ 388).

قال ابن تيمية "فإن كان ظلمه بضرب أو لطم، فله أن يضربه أو يلطمه كما فعل به، عند جماهير السلف وكثير من الأئمة، وبذلك جاءت السنة". "مجموع الفتاوى" (11/ 547) وقال: "وهو الصواب". "السياسة الشرعية" (ص: 119).

وقال ابن القيم: "اختلف الناس في القصاص في اللطمة والضربة ونحوها، مما لا يمكن للمقتص أن يفعل بخصمه مثل ما فعله به من كل وجه، هل يسوع القصاص في ذلك؟ أو يعدل إلى عقوبته بجنس آخر وهو التعزير؟

على قولين: أصحهما أنه شرع فيه القصاص" انتهى "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود مع عون المعبود" (12/175).

من أدلة هذا القول:

  1. "أن القصاص في ذلك أقرب إلى الكتاب والسنة والقياس والعدل من التعزير، أما الكتاب فإن الله سبحانه قال: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَة مِثْلهَا) وَقَالَ (فَمَنْ اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ)"."حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" (12/176).
  2. عن أسيد بن حضير رضي الله عنه، رجل من الأنصار قال: " بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود فقال: أصبرني فقال: (اصطبر)، قال: إن عليك قميصا وليس علي قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه"، قال إنما أردت هذا يا رسول الله" رواه أبو داود (5224) وصححه الألباني. فمكّنه النبي ﷺ من الاقتصاص من نفسه، ومثله اللطم.

ونوقش هذا الاستدلال بأن النبي ﷺ هو من رضي على نفسه بالقصاص.

  1. قال طارق بن شهاب: "لطم أبو بكر يوما رجلا لطمة , فقيل: ما رأينا كاليوم قط؛ هنة ولطمة , فقال أبو بكر: "إن هذا أتاني يستحملني , فحملته , فإذا هو يتبعهم فحلفت أن لا أحمله: والله لا أحمله ثلاث مرات , ثم قال له: اقتص. فعفا الرجل" ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 464)..

وورد "أن عليا أتي في رجل لطم رجلا، فقال للملطوم: (اقتص). "مصنف" ابن أبي شيبة (5/ 464).

"… وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَقَادَ رَجُلاً مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّ عُمَرَ أَقَادَ سَعْدًا مِنْ نَفْسِهِ". "المصنف" لعبد الرزاق الصنعاني (8/ 128).

ونوقش بما سبق: أن أبا بكر وعمر رضيا بالقصاص.

"وعن ابن الزبير أنه أقاد من لطمة". أخرجه ابن أبي شيبة (128008) ، وصححه في "ما صح من آثار الصحابة في الفقه" (3/ 1241).

عن طارق بن شهاب قال: "لطم عم خالد بن الوليد رجلا منا، فجاء عمه إلى خالد فقال: يا معشر قريش، إن الله لم يجعل لوجوهكم فضلا على وجوهنا، إلا ما فضل الله به نبيه – صلى الله عليه وسلم -، فقال خالد: اقتص، فقال الرجل: لابن أخيه الطم واشدد، فلما رفعها، قال: دعها لله". رواه عبد الرزاق (9/ 462)، وصححه في "ما صح من آثار الصحابة" (3/1240).

  1. معلوم أن المماثلة مطلوبة بحسب الإمكان، واللطمة أشد مماثلة للطمة والضربة للضربة من التعزيز لها؛ فإنه ضرب في غير الموضع غير مماثل، لا في الصورة ولا في المحل ولا في القدر."حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" (12/176).
  2. القياس على البرد من سن الجاني مقدار ما كسر من سن المجني عليه مع شدة الألم، وكذلك قلع سنه وعينه أو نحو ذلك لا بد فيه من زيادة ألم ليصل المجني عليه إلى استيفاء حقه. "حاشية ابن القيم" (12/177).

والراجح -والله أعلم- هو القول الثاني: أن في لطمة الوجه القصاص؛ لأنه أقرب للمماثلة، ولثبوت ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، ما لم يترتّب على ذلك ضرر أكبر من الجناية؛ ولذا استثنى بعض العلماء ضرب العين؛ لأنه قد يترتب على ذلك ذهاب ضوئها.

"قال الليث: إن كانت اللطمة في العين فلا قود فيها، للخوف على العين ويعاقبه السلطان. وإن كانت على الخد ففيها القود". "تفسير القرطبي" (6/ 206)، "فتح الباري" لابن حجر (12/229).

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " ضرب الوجه ما يجوز مطلقًا، إلا على سبيل القصاص"اهـ. فتاوى الدروس.

وأما احتجاج المانعين بأن اللطمة لا يمكن فيها المماثلة، فيناقش بأنه من المقرر أن اللطمة على الخدّ لا بد فيها من عقوبة (تعزير أو قصاص)، والتعزير قد يكون بالضرب بالعصا أو باليد أو بالسجن أو بالمال أو…الخ، والقصاص هو أقرب للمماثلة من هذا كله.

قال ابن تيمية رحمه الله: " لأن ذلك أقرب إلى العدل والمماثلة. فإنا إذا تحرينا أن نفعل به من جنس فعله، ونقرب القدر من القدر؛ كان هذا أمثل من أن نأتي بجنس من العقوبة، تخالف عقوبته جنساً وقدراً وصفة" انتهى "مجموع الفتاوى" (18/ 168).

وقال ابن القيم رحمه الله: " فالواجب أن يَفعل بالمُعْتَدي كما فَعَل به، فإن لم يمكن كان الواجب ما هو الأقرب والأمثل، وسقط ما عَجِز عنه العبدُ من المساواة من كل وجه، ولا ريب أن لطمة بلطمة وضربة بضربة في محلهما بالآلة التي لطمه بها أو بمثلها أقربُ إلى المماثلة المأمور بها حسًا وشرعًا من تعزيره بها بغير جنس اعتدائه وقدره وصفته، وهذا هو هَدْيُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلفائه الراشدين ومحض القياس" انتهى "أعلام الموقعين" (3/68).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android