0 / 0
14/01/2025

هل يجوز الضغط على طرف غير مخطئ وتخطئته ليقبل بالصلح؟

السؤال: 540338

عندنا في القرية انتشرت هذه الفكرة عند الإصلاح بين الناس، يقولون: إننا نضغط على الطرف غير المخطئ، ونخطئه إذا كان ذلك في مصلحة الصلح، ويعللون ذلك بأننا في صلح وإصلاح، ولسنا جهة قضاء، فهل بإمكاننا أن نفعل ذلك، وهل ذلك من شرع الله تعالى؟ وله أصل في شرعنا المطهر؟ أم إنه ظلم وعدم، عدل في الإصلاح بين الناس.

ملخص الجواب

الضغط على المظلوم وتخطئته لإقناعه بالصلح، أمر محرم، وهو من الصلح الجائر الظالم المخالف لما جاء به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثم هو كذب على صاحب الحق، وكذب على شرع الله، إن قلتم إن هذا الحكم موافق لشرع الله؛ وقد جعلتم المظلوم ظالماً.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

إن الضغط على المظلوم وتخطئته لإقناعه بالصلح، أمر محرم ، وهو من الصلح الجائر الظالم، المخالف لما جاء به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز الإصلاح إلا بالعدل؛ قال الله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].

ثم ما تفعلونه كذب على المظلوم، وكذب على شرع الله، فقد جعلتم المظلوم ظالماً. والغاية لا تبرّر الوسيلة.

فإن كان للمظلوم حق فيجب أن يُمكّن من أخذ حقه، ثم يُطلب منه برضاه أن يترك بعض حقه، بدون ضغط.

قال ابن القيم رحمه الله: "والصلح العادل: هو الذي أمر اللَّه تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [الحجرات: 9].

والصلح الجائر هو الظلم بعينه.

وكثير من الناس لا يعتمد العدل في الصلح، بل يصلح صلحًا ظالمًا جائرًا، ..

وكثير من الظلمة المصلحين، يصلح بين القادر والظالم، والخصم الضعيف المظلوم، بما يَرْضَى به القادر رضىً لصاحب الجاه، ويكون له فيه الحظ، ويكون الإغماض والحيف فيه على الضعيف، ويظن أنه قد أصلح، ولا يتمكن المظلوم من أخذ حقه، وهذا ظلم.

بل يُمكَّن المظلوم من استيفاء حقه، ثم يُطلب إليه برضاه أن يَتْرك بعض حقه بغير محاباة لصاحب الجاه، ولا يشتبه بالإكراه للآخر بالمحاباة ونحوها"اهـ. إعلام الموقعين (2/ 203).

ثانياً:

حرصاً على إقامة العدل وعدم الظلم في الصلح: نص كثير من الفقهاء إلى أن القاضي لا يدعو الخصوم إلى الصلح، إلا إذا لم يتبيّن له الحق، أو التبس عليه في القضايا المشكلة.

أما إذا تبيّن له الحق: فالواجب عليه الحكم بالعدل.

ومع ذلك، إذا اتفق الطرفان على الصلح، أو رأى القاضي أن الصلح يحمل في طياته مصلحة تُرجَّح على الفصل القضائي؛ كأن يخشى تفاقم النزاع واشتداد الفتنة بينهما، جاز له حينئذ أن يدعوهما إلى التصالح.  

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس».

قال سفيان الثوري: «ولكنا وضعنا هذا إذا كانت شبهة، وكانت قرابة، فأما إذا تبين له القضاء، فلا ينبغي له أن يردهم».

رواه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 303)، وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 534)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/109)، وقال البيهقي: "هذه الروايات عن عمر رضي الله عنه منقطعة، والله أعلم"اهـ. وأعله ابن حزم أيضاً بالانقطاع، وقال: " وأيضا: فإن ترك الحكم بينهم حتى ينزل المحق على حكم الباطل، أو يترك الطلب، أو يمل من طلب المبطل فيعطيه ماله بالباطل، أشد توريثا للضغائن بين القوم من فصل القضاء بلا شك"اهـ. المحلى بالآثار (6/ 469).

وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أيضا، ما يخالف ذلك، ويوافق ما ذكره ابن حزم وغيره. قال: "واحرص على الصُّلح مالم يتبيَّن لك القضاءُ" مسند الفاروق لابن كثير(2/444).

و"قال عطاء رحمه الله: «لا يحل للإمام أن يصلح، بينهم إذا تبين له القضاء»، وقاله معمر، عن ابن أبي ليلى" مصنف عبد الرزاق (8/ 304).

وفي المبسوط للسرخسي الحنفي (20/ 136): "القاضي لا ينبغي له أن يعجل، وأنه مندوب إلى أن يرد الخصوم ليصطلحوا على شيء ويدعوهم إلى ذلك، فالفصل بطريق الصلح يكون أقرب إلى بقاء المودة والتحرز عن النفرة بين المسلمين.

ولكن هذا قبل أن يستبين وجه القضاء.

فأما بعد ما استبان ذلك، فلا يفعله إلا برضا الخصمين، ولا يفعله إلا مرة أو مرتين؛ لما في الإطالة من الإضرار بمن ثبت الاستحقاق له في تأخير حقه؛ ولأن ذلك يجر إليه تهمة الميل إلى أحد الخصمين، وعلى القاضي أن يتحرز عن ذلك بما يقدر عليه"اهـ.

وفي القوانين الفقهية لابن جزي المالكي (ص: 221): "الإصلاح بين الناس مندوب، ولا بأس أن يشير الحاكم بالصلح على الخصوم، ولا يجبرهم عليه، ولا يلح فيه إلحاحاً؛ يشبه الإلزام، وإنما يندبهم إلى الصلح، ما لم يتبين له أن الحق لأحدهما، فإن تبين له أنفذ الحكم لصاحب الحق"اهـ.

وفي الإشراف لابن المنذر (4/ 193)، ونقله عنه ابن قدامة في المغني (10/ 48):

(وقال عطاء: "لا يحل للإمام إذا تبين له القضاء أن يصلح بين من تبين له القضاء فيما بينهم"، وكان أبو عبيد يقول: "وإنما يسعه الصلح في الأمور المشكلة.

فأما إذا استنارت الحجة لأحد الخصمين على صاحبه الآخر، وتبين للحاكم موضع الظالم منهما من المظلوم، فليس بواسع له أن يحملهما على الصلح". قال ابن المنذر: ما قاله أبو عبيد حسن)اهـ. ونحوه في كشاف القناع (15/ 120).

وقال أبو الحسن علاء الدين الطرابلسي رحمه الله: "وإذا أشكل على القاضي وجه الحق، أمرهم بالصلح، فإن تبين له وجه الحكم، فلا يعدل إلى الصلح، وليقطع به.

فإن خشي من تفاقم الأمر بإنفاذ الحكم بين المتخاصمين، أو كانا من أهل الفضل، أو بينهما رَحِم: أقامهما، وأمرهما بالصلح"اهـ. معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام (ص: 19(

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله  في شرح الأربعين النووية (ص: 260): "والأولى العدل بالصلح إذا أمكن، ما لم يتبين للرجل أن الحكم لأحدهما، فإن تبين أن الحكم لأحدهما، حرم الصلح"اهـ.

والله أعلم .

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android