أنا أعلم أنه يحرم على الطبيب مس المريضة الأجنبية بلا ضرورة، في بلادي يوجد الكثير من طبيبات الأسنان الماهرات، ورغم ذلك كثير من النساء يذهبن للأطباء الرجال بدون ضرورة.
سؤالي:
هل إذا عملت مساعدة لطبيب أسنان لا يتحرى ويعالج كلا الجنسين بلا ضرورة، هل أكون آثمة لمعاونته على الحرام؟
أولا:
الأصل أن الطبيب لا يعالج النساء، وأن علاج المرأة يكون على يد طبيبة؛ لما يقتضيه العلاج من نظر وفحص وقرب من المريض.
لكن إذا دعت الحاجة إلى ذهاب المرأة إلى طبيب، كما إذا لم يوجد غيره، أو كان أمهر وأحذق، فلا حرج حينئذ.
وعلى الطبيب أن يراعي ما يلي:
1- عدم الخلوة مع المريضة، فيشترط حضور محرمها معها، كأب أو أخ أو زوج، وإن حضرت مع امرأة تحصل بوجودها الحشمة، كأمها مثلا، فلا حرج؛ لأن الخلوة تنتفي بذلك .
2- ألا ينظر إلا لما تدعو إليه الحاجة، وأن يتقي الله تعالى في ذلك، ويوقن بأن الله يراه، ويحصي عمله.
3- ألا يمس إلا ما تدعو إليه الحاجة في الفحص، وإن أمكن الفحص مع حائل على اليد، لزمه ذلك.
4- أن يقتصر كلامه مع المريضة على قدر الحاجة .
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي: " الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك، فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم ، وإن لم يتوافر طبيب مسلم، يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم . على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته ، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة " انتهى نقلا عن "مجلة المجمع" (ع 8، ج1 ص 49).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ما حكم ذهاب المرأة إلى طبيب يعالجها مع وجود طبيبة في نفس الاختصاص؟
فأجاب : إذا كان الاختصاص واحداً، والحذق (المهارة) متساوياً بين الرجل والمرأة: فإن المرأة لا تذهب إلى الرجل؛ لأنه لا داعي لذلك، ولا حاجة.
أما إذا كان الرجل أحذق من المرأة، أو كان اختصاصه أعمق: فلا حرج عليها أن تذهب إليه، وإن كان هناك امرأة؛ لأن هذه حاجة، والحاجة تبيح مثل هذا " انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 693).
ثانيا:
لا يجوز لطبيبة الأسنان أن تعالج الرجال إلا للحاجة أو الضرورة، كأن يكون المريض في حالة خطر، ولا يوجد من يعالجه من الرجال؛ وذلك لما في هذه المعالجة من دواعي الفتنة؛ لقرب الطبيبة من المريض وملامستها له، ونظره إليها.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
" س: نعاني نحن طبيبات الأسنان كثيرًا مما يفرض علينا من ضغوط بمختلف أنواعها، لدفعنا لعلاج المرضى من الرجال، فنعاني ما نعانيه حيث يكون وضع طبيبة الأسنان حرجًا جدًّا أثناء العلاج، حيث يتطلب ذلك أن يستلقي المريض وتكون الطبيبة فوق صدره للعلاج، وتكون حكمًا قريبة جدًّا إلى حد محرج، وهو وضع لا يكون إلا في طب الأسنان لا في غيره من أنواع الطب البشري الأخرى، ويعلل الكثير ذلك إلى الضرورة الملحة! فما هي الضرورة الملحة؟ حيث لا يوجد أي خطر على حياة الإنسان لو تأجل علاجه، وبالتالي فإن الطبيبة في هذا المجال لا تناوب ليلاً؛ وذلك لإمكانية تأجيل العمل إلى الصباح، ثم تعطى الفرصة الأولى للعلاج لمن هم في حالة مستعجلة ...
أسألكم بالله ما هي الظروف التي تدعو المرأة أن تقترب من الرجل إلى هذا الحد ولمدة طويلة في الزيارة الواحدة وتلامسه لعلاج أسنانه، وهي بوضع يوصف بأنها تحتضنه، ولا توجد هناك أي ضرورة لذلك أو خطر على حياته ...
وقد درست اللجنة الدائمة ما ورد في خطاب بعض طبيبات الأسنان والمتضمن سؤالهن عن حكم معاملتهن للرجال وأجابت:
بأنه لا يجوز معالجة النساء للرجال، ولا العكس، إلا في حالة الضرورة؛ كأن يتعذر وجود معالج من نفس الجنس، ويكون المريض في حالة خطر، والحرمة أشد بالنسبة لمعالجة الأسنان؛ لما في ذلك من ملامسة جسم المعالج للمعالج. وتأثم الطبيبة إذا عالجت الرجال امتثالاً لأمر رئيسها؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما يأثم الشخص الذي أمرها بذلك، ويتعين على كل مسؤول علم بحصول هذا الأمر العمل على منعه، ما دام قادرًا على ذلك، فإن لم يقم بهذا الأمر كان شريكًا في الإثم" انتهى من موقع اللجنة الدائمة.
وبهذا يتبين أن معالجة الرجل للمرأة، أو العكس، لا تجوز إلا عند الضرورة أو الحاجة الماسة، مع مراعاة الضوابط.
ثالثا:
عملك مساعدة لطبيب الأسنان الذي يعالج الجنسين، يكتنفه ثلاثة محاذير:
الأول: أنه قد يعالج النساء من غير ضرورة ولا حاجة ماسة، وهذا محرم، ولا تجوز الإعانة عليه؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
الثاني: أن معالجته للرجال يقتضي منك القرب من الرجال والاختلاط بهم، وإن لم يكن كقرب الطبيب، ولكنه باب عظيم من أبواب الفتنة.
الثالث: أن عملك مع رجل هو باب من أبواب الفتنة، بل هو أشد هذه الأبواب فتنة وخطرا عليك. وقد تحصل خلوة، أو تعلق قلب، بسبب كثرة المخالطة.
ولهذا فالواجب البعد عن هذه المحاذير والبحث عن عمل مع طبيبة مختصة بالنساء، أو لا تعالج الرجال إلا عند الضرورة.
والله أعلم