عندما كنت في سن الشباب أعطتني جدتي ماعزا مقابل أن أستفيد منها، واستفيد من ثمنها لكي أقوم بالحج عنها، وكان ثمن الماعز قديما قليلا جدا بحدود المئة ريال، والذي حدث أن توفت جدتي، وأنا لم أحج عنها على الفور، حتى أصبحت كبيرا في السن، وخارت قواي، وأعجز عن الحج عنها الآن، فماذا يجب علي، وأنا قد استلمت الماعز منها لأجل الحج عنها، ولكن مضى الوقت، وكبرت، ولم أحج؟
بما أنك قبلت الماعز من جدتك مقابل أن تحج عنها، ولم تفعل، والآن لا يمكنك أن تحج عنها، فإن في ذمتك أن توكل من يحج عنها من مالك؛ لأنّ ما تم بينكما عقد إجارة يلزمك الوفاء به لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/ 1.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ من استؤجر للحج إما أن يؤديه بنفسه أو يوكل أحداً يقوم به عنه، وهذه الإجارة لم يعد بإمكانك فسخها، والتحلل من جدتك بعد بموتها. فإذا لم تكن قادرا على الحج بنفسك، فعليك أن توكل من يحج عنها، من مالك الخاص.
قال الشافعي رحمه الله:
"ولو استأجر الرجلُ الرجلَ يحج عنه أو عن غيره: فالإجارة جائزة". انتهى من "الأم" (2/ 135).
وقال الروياني رحمه الله:
"وإن كانت الإجارة في الذمة، وهي أن يقول: استأجرتك على حجة في ذمتك، أو لتحصل لي حجة، أو توافيني حجة أو تسقط عني حجة الإسلام: فإن هذه الإجارة لا تتعلق بفعله، فإن شاء حج بنفسه، وإن شاء حج عنه غيره " انتهى من "بحر المذهب" (4/ 14).
وقال العمراني الشافعي رحمه الله:
"وإن استأجره على تحصيل حج .. جاز أن يكون على حج في هذه السنة، وجاز أن يكون على حج في سنة بعدها، كما قلنا في الإجارة على الأعمال في الذمة.
فإن عين الحج في سنة، فمضت تلك السنة، ولم يحج الأجير.. لم تنفسخ الإجارة؛ لأن هذه السنة محلها، ولم يتعين بها، فصار بمنزلة تأخير الدين عن محله.
وهل للمستأجر الخيار في فسخ الإجارة؟
قال أبو إسحاق المروزي: إن كانت الإجارة عن ميت.. لم يكن للمستأجر فسخ الإجارة؛ لأنه لا يمكنه التصرف في الأجرة، ولا بد من استئجار غيره" انتهى من "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (7/336).
والله أعلم.