هل الرؤية المنامية إذا ورد فيها أمر أو نهي تعتبر حجة على العبد؟ خصوصاً إذا أتت فيها آية كريمة، وهي: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، حيث كان هنالك من يحاول أذيتي بسحر، وأتاني نهي في المنام أن لا أفعل أمرا معينا، وقد فعلته خطأ مني، ولكني لم أتعمده، علماً بأن النهي الوارد هو لأمر مباح، وهو: استخدام الجوال، وليس فيه إثم، لكني أصبت بالسحر عندما نظرت لشاشة الجوال، وانقلبت حياتي رأسا على عقب، والوضع يزداد سوءا في صحتي يوما بعد يوم، وأنا الآن في وضع لا أجد فيه مخرجاً، وندمت كثيراً على فعلتي، حيث إنني لم ألتزم بالنهي الوارد في المنام، فهل يعاقب العبد على ذلك؟ وما السبيل للخروج من كربتي هذه؟
هل يلزم العمل بما في الرؤيا من أمر أو تحذير؟
السؤال: 542635
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ما يراه النائم على ثلاثة أنواع:
رؤيا، وهي من الله تعالى، وحلم وهو من الشيطان، وحديث النفس.
والرؤيا التي من الله تعالى، قد يراد بها تبشير بخير، أو تحذير من شر، أو مساعدة وإرشاد، ويسن حمد الله تعالى عليها، وأن يحدث بها الأحبة دون غيرهم.
والحلم: هو ما يراه النائم من مكروه وفزع، وهو من الشيطان، ويسن أن يتعوذ بالله منه ويبصق عن يساره ثلاثا، وأن لا يحدث به، فمن فعل ذلك لا يضره، كما يستحب أن يتحول عن جنبه، وأن يصلي ركعتين.
وأما حديث النفس، ويسمى " أضغاث أحلام "، فهي أحداث ومخاوف في الذاكرة والعقل الباطن، يعيد تكوينها مرة أخرى في أثناء النوم، كمن يعمل في حرفة ويمضي يومه في العمل بها وقبل نومه يفكر فيها، فيرى ما يتعلق بها في منامه، ولا تأويل لهذه الأشياء.
روى أحمد (9129) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا ثلاثة: فبشرى من الله، وحديث النفس، وتخويف من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء، وإذا رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصل).
قال شعيب الأرنؤوط: "صحيح وهذا إسناد قوي".
ومن مجيء الرؤيا تحذيرا: ما روى البخاري (1121)، ومسلم (2479) عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَأَى رُؤْيَا، قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ: كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ.
فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ!!
قَالَ: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ!!
فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ!!).
قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللهِ، بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا ".
ثانيا:
الرؤى لا يؤخذ منها حكم، فلا يجب فعل ما أرشدت إليه أو ترك ما حذرت منه، ما لم يكن الفعل واجبا أو محرما بالشرع.
قال العطار في حاشيته على "شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع" (2/ 467): " ولا يلزم من صحة الرؤية التعويل عليها في حكم شرعي لاحتمال الخطإ في التحمل وعدم ضبط الرائي.
حكي أن رجلا رآه – صلى الله عليه وسلم – في المنام يقول: "إن في المحل الفلاني ركازا، اذهب فخذه ولا خمس عليك" فذهب فوجده، فاستفتى العلماء فقال العز بن عبد السلام: أخرج الخمس؛ فإنه ثبت بالتواتر، وقصارى رؤيتك الآحاد" انتهى.
ونقل الزركشي في "البحر المحيط" (1/89) عن أبي إسحاق الإسفراييني قال: " ولا يجوز أن يثبت بالرؤيا شيء، حتى لو رأى واحد في منامه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بحكم من الأحكام، لم يلزمه ذلك" انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " إن لدي ولد، وفي أثناء حمله شاهدت في منامي شيخاً عجوزاً يقول لي: إنك ستنجبين ولداً فأسميه يوسف، وحين ولادته أسميته غير هذا الاسم؛ لأنني قد نسيت ذلك، وقد بلغ الولد العاشرة من عمره، ومنذ ولادته حتى الآن هو مريض ويخرج من مرض ليدخل في المرض الثاني، فلم نشاهد عليه وقتًا كان متعافياً فيه، فهل لما رأيته في المنام شأن في هذا، أي: هل أغير اسمه إلى يوسف لعل الله يكتب له الشفاء بإذنه سبحانه وتعالى، أرجو إفادتي؟
فأجاب: " ليس لهذه الرؤيا أثر، والرؤيا في المنام لا يعول عليها، وليست ملزمة لأحد بشيء، وقد تكون من الشيطان للإيذاء والتحزين، ولاسيما إذا كانت عند رؤيتها لهذا الشيخ قد كرهت ذلك، فإن هذا من الشيطان، والنبي عليه السلام قال: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان فإذا رأى أحد ما يكره فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات، ثم لينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره) ، هكذا ينبغي للرائي، إن رأى ما يسره حمد الله وأخبر به من يحب، وإن رأى ما يكره استعاذ بالله من الشيطان ومن شر ما رآه ثلاث مرات، ونفث عن يساره ثلاث مرات ثم انقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الصبي الذي في المرض لله فيه حكم سبحانه وتعالى، وأنت أيها السائلة على خير إن شاء الله، التمريض والتعب هذه من المصائب، والمصائب للعبد عليها خير كثير إذا صبر، كما قال جل وعلا: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157] .
وجاء في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلفه خيراً منها). فالإنسان يصاب بأشياء من أمراض في نفسه، أو في ولده، أو في زوجه، أو في أقاربه، أو بتلف مال، أو بأشياء أخرى مما يكره، فعليه أن يصبر ويحتسب ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، وهو على خير عظيم، ما أصاب العبد من مصيبة مما يكره من مرض أو هم أو حزن أو غير ذلك حتى الشوكة إلا كفر الله بها من خطاياه.
فعليك يا أخت في الله الصبر والاحتساب وأبشري بالخير، وأسأل الله أن يمنح ولدك الشفاء والعافية، وأن يريك فيه ما يسرك، وأن يمن عليه بالعافية مما أصابه، وعليك أن تسألي الله جل وعلا أن يعافيه ويشفيه من عنده، ولاسيما في آخر الصلاة في السجود في صلاة الليل، سلي الله له الشفاء والعافية، واعرضيه على من تيسر من الأطباء، لعل الله يمن عليه بالشفاء والعافية، وأما الرؤيا فليس لها أثر في هذا" انتهى من فتاوى نور على الدرب.
وعليه، فلا إثم عليك في عدم اتباع التحذير الوارد في الرؤيا.
ثالثا:
قد يكون ما أصابك من السحر نشأ عن النظر في الجوال-كما يفهم من تحذير رؤياك إذا كانت حقا-، وقد لا يكون السحر أصابك من ذلك النظر.
وسبيل الخروج مما أنت فيه هو اللجوء إلى الله تعالى، والإتيان بالرقية الشرعية، والإكثار من الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وينظر في علاج السحر: جواب السؤال رقم: (11290).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة