جدتي أم والدي ماتت قبل أمها، وقامت أمها بوهب جميع ممتلكاتها لأبي وأخيه ( عمي)، وأبي وعمي لديهم ثلاثة أخوات، هي لم تكتب أسمائهم في ورقة الهبة، وهم الآن يقولون: يستحيل أن تحرمنا جدتنا من الميراث، ويطالبون بحقهم، فهل هذه الهبة جائزة؟ وكيف نتعامل معهم؟ وهل يجب علي أن أناصحهم؛ لأن أبي يقول لي: هذه مواضيع للكبار فقط؟
أولا:
إذا وهبت الجدة لبعض أحفادها جميع ممتلكاها، وقبضوا الهبة، فهي هبة صحيحة، ولكنها أخطأت بتمييز بعض الأحفاد على بعض؛ فالجدة يلزمها العدل بين أحفادها في الهبة.
قال النووي رحمه الله:"وَإِذَا وَهَبَتْ الْأُمُّ لِأَوْلَادِهَا، فَهِيَ كَالْأَبِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ َ" انتهى من "روضة الطالبين" (5/ 379).
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (4/ 309): " (ويجب على الأب، و) على (الأم وعلى غيرهما) من سائر الأقارب: (التعديل بين من يرث بقرابة، من ولد وغيره)، كأب وأم وأخ وابنه وعم وابنه (في عطيتهم)، لحديث جابر قال قالت امرأة بشير لبشير أعط ابني غلاما وأشهد لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي قال: له إخوة؟ قال: نعم قال: كلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا قال: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير وقال فيه لا تشهدني على جور إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم.
وفي لفظ لمسلم اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة وللبخاري مثله، لكن ذكره بلفظ العطية.
فأمر بالعدل بينهم، وسمى تخصيص أحدهم دون الباقين جورا، والجور حرام، فدل على أن أمره بالعدل للوجوب، وقيس على الأولاد باقي الأقارب، بجامع القرابة.
وخرج منه الزوجات والموالي فلا يجب التعديل بينهم في الهبة.
و(لا) يجب التعديل بينهم (في شيء تافه)؛ لأنه يُتسامح به، فلا يحصل التأثر.
والتعديل الواجب: أن يعطيهم (بقدر إرثهم منه)؛ اقتداء بقسمة الله تعالى، وقياسا لحالة الحياة على حال الموت. قال عطاء: " فما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى "" انتهى.
ثانيا:
يلزم الجدة أن تحقق العدل في حياتها، فإن لم تفعل حتى ماتت، فإن الهبة تقسم بين جميع أحفادها بالعدل، فيعطى الذكرُ ضعفَ الأنثى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "يجب على الرجل أن يسوي بين أولاده في العطية، ولا يجوز أن يفضل بعضا على بعض كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حيث نهى عن الجور في التفضيل، وأمر برده. فإن فعل ومات قبل العدل، كان الواجب على من فُضل أن يتبع العدل بين إخوته؛ فيقتسمون جميع المال - الأول والآخر - على كتاب الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/ 297).
وسئل علماء اللجنة الدائمة عمن سجل مزرعة باسم أحد أبنائه ثم مات، فأجابوا بقولهم: " ... وإن كان والدك قد مات: فاقسم التركة بينك وبين بقية الورثة، حسب الحكم الشرعي" انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (16/ 216).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الصواب: أنه إذا مات - يعني الأب الذي فضل بعض الأولاد - وجب على المفضَّل أن يرد ما فُضِّل به في التركة، فإن لم يفعل خصم من نصيبه إن كان له نصيب؛ لأنه لما وجب على الأب الذي مات أن يسوي، فمات قبل أن يفعل صار كالمدين، والدين يجب أن يؤدى، وعلى هذا نقول للمفضَّل: إن كنت تريد بر والدك فرد ما أعطاك في التركة " انتهى من " الشرح الممتع " (11/ 85).
ثانيا:
إذا كانت الجدة لم تمّلك أباك وعمك، وإنما وهبت دون تمليك، ثم ماتت قبل أن يقبضوا الهبة، فتبطل الهبة، أو يكون القرار فيها للورثة، على خلاف بين الفقهاء.
فذهب الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة إلى أنها تبطل.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القرار فيها يكون للورثة.
قال في "الإنصاف" (7/ 123): ". قوله (وإن مات الواهب: قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع) هذا المذهب ...
وقال القاضي في المجرد: يبطل عقد الهبة. جزم به في الفصول. وقدمه في المغني , والشرح, والنظم , والفائق. قال في القاعدة الرابعة والأربعين بعد المائة: وهو المنصوص في رواية ابن منصور , واختيار ابن أبي موسى " انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (32/ 288): "اختلفوا في حكم العقد إذا مات الواهب أو الموهوب له قبل قبضها.
فقال الشافعية: إن مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض لم ينفسخ العقد، لأنه يئول إلى اللزوم، ويقوم الوارث مقام مورثه.
وقال الحنابلة: إذا مات الموهوب له قبل القبض بطل العقد، أما إذا مات الواهب فلا تبطل الهبة، ويقوم وارثه مقامه في الإقباض أو الرجوع في الهبة" انتهى.
وينظر: "المبسوط" (12/ 56)، "كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي" (2/ 256)، "مغني المحتاج" (3/ 566)، "كشاف القناع" (4/ 303).
ثالثا:
إذا أوصت الجدة بذلك، ولم تهب في حياتها، كأن قالت: إذا مت فجميع ممتلكاتي لفلان وفلان، ولم يكن لها ورثة إلا أحفادها (أولاد بنتها)، فهذه وصية لوارث، ولا تنفذ إلا بموافقة بقية الورثة، فإن لم يوافقوا، قسمت الممتلكات بين جميع الورثة.
وعليك النصيحة، وبيان الحكم الشرعي لوالدك وعمك؛ فإن الدين النصيحة، ومن البر حماية الأب من الظلم وأكل الحرام.
والله أعلم.