هناك كورس يتم تعليم فيه اللغة الأجنبية، والقرآن باللغة بالأجنبية؛ حتي تعمل بعد هذا في تعليم القرآن والعلوم الشرعية للأجانب.
فهل المال المكتسب حلال، خاصة إنه سيكون كثيرا إن شاء الله، لأنه بالدولار، وما الحكم علي الحديث التالي:
عن أبي بن كعب قال: “علمت رجلاً القرآن، فأهدى لي قوساً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أخذتها أخذت قوساً من نار فرددتها)، رواه ابن ماجه، ومثل ما رواه أحمد والترمذي عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرؤوا القرآن، وأسألوا الله به، فإن من بعدكم قوما يقرؤون القرآن يسألون به الناس)؟
أولا:
لا حرج في تعليم اللغة الأجنبية بأجرة، وأن يضبط العمل بالساعة.
ثانيا:
لا حرج في تعليم القرآن والعلوم الشرعية مقابل أجرة، عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية ومتأخري الحنفية؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ رواه البخاري (5296)، ورواه مسلم (2201) بلفظ: وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: خُذُوا مِنْهُمْ، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ.
قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث:”هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية، بالفاتحة، والذِّكر، وأنها حلال لا كراهة فيها، وكذا الأجرة على تعليم القرآن، وهذا مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وآخرين من السلف، ومَن بعدهم” انتهى من ” شرح مسلم ” (14/ 188).
وقد نص الإمام الشافعي، رحمه الله على ذلك، واستدل له. قال:
“ولا بأس بالإجارة على الحج وعلى العمرة، وعلى الخير كله.
وهي على عمل الخير: أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح.
فإن قال قائل: ما الحجة في جواز الإجارة على تعليم القرآن والخير؟
قيل: أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي: (أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن).
قال [الشافعي] : والنكاح لا يجوز إلا بما له قيمة، من الإجارات، والأثمان”. انتهى، من “الأم” (2/140).
وقد روى البخاري (3096)، ومسلم (1760): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُونَةِ عَامِلِي، فَهُوَ صَدَقَةٌ .
قال الإمام الطبري، رحمه الله: ” وفيه من الفقه: أن من كان مشتغلا من الأعمال بما فيه لله بر، وللعبد عليه من الله أجر: أنه يجوز أخذ الرزق على اشتغاله به؛ إذا كان فى قيامه سقوط مئونةٍ عن جماعة من المسلمين، أو عن كافتهم. وفساد قول من حرم [القُسَّام] أخذ الأجور على أعمالهم، والمؤذنين أخذ الأرزاق على تأذينهم، والمعلمين على تعليمهم.
وذلك: أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل لولى الأمر بعده، فيما كان أفاء الله عليه: مؤونته. وإنما جعل ذلك لاشتغاله.
فبان أن كل قيم بأمر من أمور المسلمين، مما يعمهم نفعه: سبيلُه سبيلُ عامل النبى صلى الله عليه وسلم؛ في أن له المئونة فى بيت مال المسلمين، والكفاية؛ ما دام مشتغلا به، وذلك كالعلماء والقضاة والأمراء وسائر أهل الشغل بمنافع الإسلام”. انتهى، نقله عنه ابن بطال في شرح البخاري (5/259)، وبنحوه في: “التوضيح بشرح الجامع الصحيح”، لابن الملقن (18/397).
وينظر: جواب السؤال رقم: (291352) ففيه ذكر الخلاف في المسألة.
والمذهب عند الحنابلة تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن والفقه والحديث.
قال في “كشاف القناع” (4/ 12): “(ويحرم ولا تصح إجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، وهو المسلم، ولا يقع) ذلك العمل (إلا قربة لفاعله، كالحج، أي النيابة فيه)، أي في الحج.
(والعمرة والأذان ونحوها، كإقامة، وإمامة صلاة، وتعليم قرآن وفقه حديث، وكذا القضاء قاله ابن حمدان)” انتهى.
وما ذكره النووي عن أحمد، إنما هو رواية.
وينظر: “الإنصاف” (6/ 45).
ثالثا:
استدل الحنابلة على المنع بما روى ابن ماجه (2158) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: “عَلَّمْتُ رَجُلًا الْقُرْآنَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتَهَا أَخَذْتَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَرَدَدْتُهَا”.
قال البوصيري في “الزوائد” (3/ 12): “إسناده مضطرب، قاله الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الرحمن بن سلم، وقال العلائي في المراسيل: عطية بن قيس الكلاعي، عن أبي بن كعب: مرسل” انتهى.
وقال ابن عبد البر رحمه الله :“وأما حديث القوس: فمعروف عند أهل العلم؛ لأنه روي عن عبادة من وجهين، وروي عن أبي بن كعب من حديث موسى بن علي عن أبيه، عن أبي بن كعب، وهو منقطع .
وليس في هذا الباب حديث تجب به حجة من جهة النقل، والله أعلم” انتهى من “التمهيد” (21/ 114).
وقال النووي رحمه الله: ” وأجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين:
1 – أحدهما: أن في إسناده مقالا.
2 – والثاني: أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا، ثم أهدي إليه على سبيل العوض، فلم يجز له الأخذ، بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم، والله أعلم” انتهى من “التبيان في آداب حملة القرآن”، ص58.
وأما ما روى أحمد (19917) من حديث عمران بن الحصين مرفوعا: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ؛ فَإِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ وحسنه شعيب في تحقيق المسند، فجوابه: أن سؤال الناس به: المقصود به المسألة والطلب، لا الأجرة على التعليم.
وقد ساق عمران الحديث لأجل ذلك، قال الْحَسَن: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَحَدُنَا آخِذٌ بِيَدِ صَاحِبِهِ، فَمَرَرْنَا بِسَائِلٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَاحْتَبَسَنِي عِمْرَانُ وَقَالَ: قِفْ نَسْتَمِعِ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا فَرَغَ سَأَلَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: انْطَلِقْ بِنَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ؛ فَإِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ.
فالممنوع هو سؤال الناس وقراءة القرآن مع السؤال.
وقال ابن عبد البر: ” واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا : وهذا يحتمل التأويل، وكذلك حديث عبادة وأبي، يحتمل التأويل أيضا؛ لأنه جائز أن يكون علمه لله، ثم أخذ عليه أجرا” انتهى من “التمهيد” (21/ 114).
وهذا جواب آخر، أنه محمول على من تبرع، ثم عاد فأخذ أجرا.
والحاصل: جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وتعليم العلوم الشرعية؛ وبهذا تقوم مصالح الناس العظيمة في تعلم القرآن والخير، وتعليمه، من دون ضياع القائم على ذلك، أو ضياع عياله.
رابعا:
لا حرج في تقدير الأجرة بالساعة.
قال النووي رحمه الله: ” ويقدر تعليم القرآن بمدة، أو تعيين سور” انتهى من المنهاج.
قال الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج” (3/455): ” (ويقدر تعليم القرآن بمدة) كشهر، كما لو استأجر خياطا ليخيط له شهرا… (أو تعيين سور) أو سورة أو آيات من سورة كذا من أولها أو آخرها للتفاوت في ذلك، ويشترط علم المتعاقدين بما يقع العقد على تعليمه” انتهى.
والله أعلم.