والدي يأخذ جرعة كيماوي وإشعاعي، وطوال اليوم نائما، أوقظه ليصلي، فيكبر ويبدأ يقرأ، فينام، فأعود لإيقاظه، وأجعله يتيمم ويعيد الصلاة، فيكرر نفس الشيء، فهل عليه ذنب؟
كيف يتعامل مع المريض الذي يصعب عليه الاستيقاظ للصلاة؟
السؤال: 543043
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
نسأل الله لوالدك شفاء عاجلا، وأن يجعل ما أصابه كفارة لذنبه، ورفعة لدرجاته.
ثانيا:
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا يجوز تركها، أو التهاون فيها، مهما كانت الأسباب، بل يصليها الإنسان حسب استطاعته، قائما أو قاعدًا أو مستلقيا، بل يصليها إيماء ماشيا، في حال هربه من سبع أو سيل، فكل من كان عقله معه، فلا تسقط عنه الصلاة، وإذا شق عليه الصلاة في كل وقت، جاز له جمع الظهر مع العصر، وجمع المغرب مع العشاء، تقديما أو تأخيرا، وهذا من فضل الله ورحمته.
ثالثا:
اختلف الفقهاء في حكم إيقاظ النائم للصلاة، فذهب الشافعية وبعض المالكية إلى أنه مستحب، ولو ضاق الوقت، إلا إن كان عاصيا بنومه بأن نام بعد دخول الوقت وظن أنه يبقى حتى يخرج الوقت.
وذهب الحنابلة إلى الوجوب إذا ضاق الوقت.
قال العدوي رحمه الله نقلا عن الأجهوري: " يجوز للإنسان أن ينام بالليل، وإن جوز -أي: اعتقد أو ظن- أن نومه يبقى حتى يخرج وقت صلاة الصبح؛ إذ لا يترك أمرا جائزا، لشيء لم يجب عليه، كما نقله الباجي عن الأصحاب.
وأما النوم بعد دخول الوقت، فإن علم أو ظن أنه يبقى حتى يخرج الوقت: فإنه لا يجوز انتهى. أي ما لم يوكل من يوقظه، ممن يثق به. ومفاده أنه لو شك في الخروج، فإنه يجوز له " انتهى من "حاشية العدوي على الخرشي" (1/220).
وقال النووي رحمه الله : "يستحب إيقاظ النائم للصلاة، لا سيما إن ضاق وقتها؛ لقوله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )، ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظني فأوترت )، وفي رواية: ( فإذا أوتر قال: قومي فأوتري يا عائشة ) رواه مسلم. وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: (خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح، فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة، أو حركه برجله) رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف، ولم يضعفه. والله أعلم " انتهى من "المجموع" (3 / 80).
وقال الرملي رحمه الله: " ويسن إيقاظ النائمين للصلاة، لا سيما عند ضيق وقتها، فإن عصى بنومه وجب على من علم بحاله إيقاظه " انتهى من "نهاية المحتاج" (1/ 282).
وقال المرداوي رحمه الله : " لو دخل وقت صلاة على نائم، هل يجب إعلامه أو لا ؟ أو يجب إن ضاق الوقت- جزم به في التمهيد، وهو الصواب-؟ أقوال " انتهى من "الإنصاف" (3/ 305).
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (1/222): " (ويجب إعلامه) أي: النائم (إذا ضاق الوقت) صححه في الإنصاف، وجزم به أبو الخطاب في التمهيد" انتهى.
وعلى هذا القول الأخير، فإنك تجتهد في إيقاظ والدك أول الوقت أو وسطه، ويلزمك إيقاظه إذا ضاق الوقت، ليصلي ، وإذا كانت الصلاة مما تجمع مع ما تليها ، كالظهر مع العصر ، والمغرب مع العشاء؛ فلا حرج عليك إن لم توقظه للصلاة الأولى ، وإنما توقظه في وقت الثانية ليجمع بينهما .
رابعا:
ينبغي أن تعين والدك على الصلاة في وقت ذهاب النوم عنه.
وقد روى البخاري (212)، ومسلم (687) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لَا يَدْرِي؛ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ، فَيَسُبُّ نَفْسَهُ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (1/315) : " قَوْله : ( فَلْيَنَمْ ) قَالَ الْمُهَلَّب: إِنَّمَا هَذَا فِي صَلاة اللَّيْل؛ لأَنَّ الْفَرِيضَة لَيْسَتْ فِي أَوْقَات النَّوْم، وَلا فِيهَا مِنْ التَّطْوِيل مَا يُوجِب ذَلِكَ. اِنْتَهَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى سَبَب، لَكِنَّ الْعِبْرَة بِعُمُومِ اللَّفْظ، فَيُعْمَل بِهِ أَيْضًا فِي الْفَرَائِض إِنْ وَقَعَ، مَا أَمِنَ بَقَاء الْوَقْت" انتهى.
وقال الباجي رحمه االله في "المنتقى" (1/212): " وقوله: "فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس، لا يدري؛ لعله يذهب يستغفر، فيسب نفسه": يريد أنه إذا صلى في حال غلبة النوم عليه فإنه لا يتيقن أنه يستغفر إذا أراد الاستغفار، بل يجوز أن يكون يأتي بسب نفسه، بدلا من الاستغفار، هذا مما ينافي الصلاة. وهذا اللفظ عام في كل صلاة، وقد أدخله مالك في صلاة الليل وقد حمله على ذلك جماعة؛ لأن النوم الغالب، لا يكون في الأغلب إلا في صلاة الليل.
وإن جرى ذلك في صلاة الفرض، فكان في الوقت من السعة ما يعلم أنه يذهب عنه فيه النعاس، ويدرك صلاته، أو يعلم أن معه من يوقظه، فليرقد وليتفرغ لإقامة صلاته في وقتها.
فإن كان في ضيق الوقت، وعلم أنه إن رقد فاته الوقت، فليصل ما يمكنه، وليجهد نفسه في تصحيح صلاته، ثم يرقد، فإن تيقن أنه قد أتى في ذلك بالفرض وإلا قضاها بعد نومه" انتهى.
خامسا:
إن صلى وغلبه النوم في صلاته بحيث لم يأت بركن منها، بطلت صلاته، ويبطل وضوؤه بالنوم، إلا إذا كان نوما يسيرا، حال كونه قائما أو قاعدا؛ لما روى الترمذي (96)، والنسائي (127)، وابن ماجه (478) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ ، وَبَوْلٍ ، وَنَوْمٍ" والحديث حسنه الألباني.
سادسا:
التيمم لا يصح إلا عند فقد الماء أو خشية الضرر باستعماله. وأما مع وجود الماء وعدم الضرر، فلا بد من الوضوء، ولا يصح التيمم، ومن لم يقدر على الوضوء بنفسه وجب أن يستأجر من ماله من يوضئه، إلا أن يتبرع متبرع فيوضئه.
وقد قدمنا أنه يجوز الجمع بين الصلاتين للمشقة، سواء كانت المشقة في الصلاة أو في الطهارة لها، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة في الجمع لرفع المشقة.
قال في "كشاف القناع" (2/5): " (يجوز) الجمع (بين الظهر والعصر) في وقت إحداهما (و) بين (العشاءين في وقت إحداهما) فهذه الأربع هي التي تجمع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء في وقت إحداهما، إما الأولى، ويسمى جمع التقديم، أو الثانية، ويقال له جمع التأخير، في ثمان حالات إحداها (لمسافر يقصر) …
(و) الحالة الثانية (المريض يلحقه بتركه) أي الجمع (مشقة وضعف) لأن «النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر»، وفي رواية «من غير خوف ولا سفر» رواهما مسلم من حديث ابن عباس، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض.
وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة وهي نوع مرض، واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر" انتهى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب