0 / 0
9/شعبان/1446 الموافق 8/فبراير/2025

هل يجوز إخراج كفارة اليمين في دولة أخرى من طعام لا يأكله؟

السؤال: 543451

أريد أن أخرج كفارة اليمين إلى دولة أخرى، والدولة التي أريد إرسالها إليها طعامهم الفول، فهل يجوز لي أن أخرج كفارة اليمين لهم فولا ناضجا، علما إني لا أكل الفول؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

كفارة اليمين بينها الله تعالى بقوله: (لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة/89.

ويجزئ في الإطعام مُدٌّ من أرز ونحوه، عند الجمهور، ومقداره 750 جراما تقريبا، وفرق الحنابلة بين البر وغيره، فيجزئ في البر مدّ، وأما غير البر فلابد من نصف صاع وهو كيلو ونصف تقريبا.

وينبغي أن يجعل مع الأرز إداما.

وإن غداهم أو عشاهم من أوسط ما يأكل: جاز.

قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: ( مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) قد تقدم في "البقرة" أن الوسط بمعنى الأعلى والخيار، وهو هنا منزلة بين منزلتين، ونصَفٌ بين طرفين " انتهى، من "تفسير القرطبي(8 / 141)"

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ سَعَةٌ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُوتُ أَهْلَهُ قُوتًا فِيهِ شِدَّةٌ، فَنَزَلَتْ: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)"  رواه ابن ماجه  (2113)قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2 / 135): " هذا إسناد موقوف صحيح الإسناد "، وصحح إسناده الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه".

وروى سعيد بن منصور في كتاب التفسير من سننه (794) عَنِ الْحَسَنِ في كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، قَالَ: "مَكُّوكًا مِنْ تَمْرٍ، ومَكُّوكًا مِنْ بُرّ، وَإِنْ دَعَاهُمْ فَأَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا، أَوْ خُبْزًا وَزَيْتًا، أَوْ خُبْزًا وَسَمْنًا، أَوْ خُبْزًا ولبنًا، أَجْزَأ ذلك عنه" وصحح إسناده محقق السنن الشيخ سعد الحميد.

ثانيا:

ليس في مسألة الإطعام تقدير محدد في الشرع، وإنما اجتهد الفقهاء فقاسوا كفارة اليمين على كفارة الحج، كما في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج نصف صاع عن كل مسكين، ونصف الصاع يساوي كيلو ونصفا تقريبا، ولكن لما كانت الآية آمرة بالإطعام من الوسط، وكان أكثر الناس لا يأكلون الأرز أو البر مجردا، استحبوا أن يكون مع ذلك إدام أو لحم ونحوه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " وإذا اختار أن يطعم عشرة مساكين: فله ذلك.

ومقدار ما يطعم مبني على أصل، وهو أن إطعامهم: هل هو مقدر بالشرع؟ أو بالعرف؟ فيه قولان للعلماء: ...

والقول الثاني: أن ذلك مقدر بالعرف، لا بالشرع، فيطعم أهل كل بلد من أوسط ما يطعمون أهليهم، قدرا ونوعا. وهذا معنى قول مالك. قال إسماعيل بن إسحاق: كان مالك يرى في كفارة اليمين أن المد يجزئ بالمدينة. قال مالك: وأما البلدان فإن لهم عيشا غير عيشنا، فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم؛ لقول الله تعالى: ( مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ )، وهو مذهب داود وأصحابه مطلقا.

والمنقول عن أكثر الصحابة والتابعين هذا القول؛ ولهذا كانوا يقولون: الأوسط خبز ولبن، خبز وسمن، وخبز وتمر. والأعلى خبز ولحم .

وقد بسطنا الآثار عنهم في غير هذا الموضع، وبينا أن هذا القول هو الصواب الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، وهو قياس مذهب أحمد وأصوله، فإن أصله أن ما لم يقدره الشارع فإنه يرجع فيه إلى العرف، وهذا لم يقدره الشارع، فيرجع فيه إلى العرف، لا سيما مع قوله تعالى ( مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ (.

وإذا جمع عشرة مساكين وعشاهم خبزا ، أو أُدما ، من أوسط ما يطعم أهله، أجزأه ذلك عند أكثر السلف، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين وغيرهم، وهو أظهر القولين في الدليل، فإن الله تعالى أمر بالإطعام؛ لم يوجب التمليك، وهذا إطعام حقيقة " انتهى، من "مجموع الفتاوى (35/ 349).

ثالثا:

يجوز نقل الكفارة إلى بلد آخر، في قول جمهور الفقهاء.

قال المرداوي رحمه الله: "يجوز نقل الكفارة والنذر، والوصية المطلقة، إلى بلد تقصر فيه الصلاة، على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وصححوه. وقال في التلخيص: وخرج القاضي وجها في الكفارة بالمنع " انتهى من "الإنصاف" (7/ 178).

وينظر: جواب السؤال رقم: (309206).

رابعا:

إذا كان طعام أهل هذا البلد الفول، فلك أن تطعمهم الفول في الكفارة وإن كنت لا تأكله.

وقد أجاز الفقهاء-وهو مروي عن بعض الصحابة- إخراج الحب وحده دون إدام، وإن كان الناس لا يأكلون ذلك بلا إدام، غالبا.

قال ابن عبد البر رحمه الله: " اختلف العلماء في مقدار الإطعام في كفارة اليمين:

فذهب أهل المدينة إلى ما حكاه مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار، والمد الأصغر عندهم مد النبي صلى الله عليه وسلم.

وهو قول ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت والفقهاء السبعة وسالم بن عبد الله بن عمر وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعطاء بن أبي رباح، وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما...

وقال أحمد بن حنبل: يجزئه أن يعطي لكل مسكين مدا من حنطة أو دقيق أو رطلين خبز، أو مدين من شعير أو تمر، ولا يجوز قيمة شيء من ذلك بحال.

قال أبو عمر: من ذهب إلى مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين، تأول قول الله عز وجل: (من أوسط ما تطعمون) [المائدة 89] أنه أراد الوسط من الشبع.

ومن ذهب إلى مدين البر أو صاع من شعير أو تمر، ذهب إلى الشبع، وتأول في (أوسط ما تطعمون أهليكم) الخبز واللبن، أو الخبز والسمن، أو الخبز والزيت. قالوا: والأعلى الخبز واللحم، فالأدنى خبز دون إدام، فلا يجوز عندهم الأدنى؛ لقول الله عز وجل (من أوسط ما تطعمون) المائدة 89" انتهى من "الاستذكار" (5/ 202).

فإن قدمت لهم ما يشبعهم من الفول أجزأ، وإن كان الأولى أن تخرج من وسط طعامك أنت، وهو الأحوط لك، والأبرأ لذمتك على كل حال؛ لا سيما إن كان الأوسط من طعامك، طعاما لأهل هذه البلاد أيضا.

بل قد أوجب شيخ الإسلام الإدام مع الحب إن كان يطعم أهله بإدام، والعمل بقوله أحوط.

قال رحمه الله: " وقد تنازع العلماء في "الأدم" هل هو واجب أو مستحب؟ على قولين.

والصحيح أنه إن كان يطعم أهله بأُدم، أطعم المساكين بأدم، وإن كان إنما يُطعم بلا أدم، لم يكن له أن يفضل المساكين على أهله، بل يطعم المساكين من أوسط ما يطعم أهله" انتهى من "مجموع الفتاوى" (35/ 351).

والله أعلم

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android