قد اطلعت على بعض الأذكار التي وضعتوها في موقعكم وكتبتوه بهذه الطريقة: اللهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ)، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: (اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، ولكن عندما فتحت الترمذي لقيته بهذه الطريقة: (إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ) فلا أدري ما هو الصحيح، وما هو أفضل لفظ بدليل الأحاديث؟
أولا:
هذا الحديث قد اختلف رواته في لفظه، فورد بعدة صيغ:
الصيغة الأولى: (الْمَصِيرُ) في الصباح، و(النُّشُورُ) في المساء.
بهذا اللفظ رواه الترمذي (3391)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ، يَقُولُ: (إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ).
وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ " انتهى.
وراويه عن سهيل بن أبي صالح، هو عبد الله بن جعفر المديني، وهو ضعيف الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"عبد الله بن جعفر بن نجيح، والد علي بن المديني: اتفقوا على ضعفه" انتهى. "المغني" (1 / 334).
الصيغة الثانية: (الْمَصِيرُ) في الصباح وفي المساء.
وبهذا اللفظ: رواه محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف في "البيتوتة" (ص23)، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حدثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ ، بِكَ أَمْسَيْنَا ، وَبِكَ أَصْبَحْنَا ، وَبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
ومن طريقه رواها ابن حبان "الإحسان" (3 / 245)، والبغوي في "شرح السنة" (5 / 112): لكن لفظ ابن حبان في "الاحسان": ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
وأمّا لفظه في صحيحه "التقاسيم والأنواع" (7 / 353 — 354)، وردت بصيغة : ( اللهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَى، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَى، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
وبهذه الصيغة نقل الحديث الهيثمي في "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (7 / 379).
ونقله ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود" (3 / 398) بلفظ (النُّشُورُ) في الصباح، و (الْمَصِيرُ) في المساء.
وبلفظ ابن حبان في "الاحسان" أي الشطر الأول فقط، رواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبد الأعلى.
ورواية عبد الله بن أحمد، رواها الطبراني في "الدعاء" (ص112)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، حدثنا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
وقد روى هذا الشطر الأول بهذه الصيغة عدد من الرواة عن حماد بن سلمة، عن سهيل.
رواه الإمام أحمد في "المسند" (14 /290)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (16 / 159): عن حَسَن بن موسى.
والإمام أحمد في "المسند" (16/ 444): عن عَبْد الصَّمَدِ، وَعَفَّان.
وابن حبان "الإحسان" (3 / 244)، قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ.
أربعتهم (حسن بن موسى، وعبد الصمد، وعفان، وأبو نصر التمار) يروونه: عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
الصيغة الثالثة: بلفظ (النُّشُورُ) في الصباح وفي المساء.
رواها أبو داود (5068): حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ.
وابن مندة في "التوحيد" (ص408 ): أخبرنا أبو عمرو مولى بنى هشام. قال: أنبأنا أبو أمية محمد بن إبراهيم قال: أنبأنا منصور بن صُقير.
و(موسى بن إسماعيل، ومنصور بن صقير) يروونه: عن وُهَيْب، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: ( اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ).
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
"منصور بن سقير: روى عن: موسى بن أعين، وحماد بن سلمة. روى عنه: أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسى، ومحمد بن غالب المعروف بتمتام.
سألت أبي عنه فقال: ليس بقوي، كان جنديا، وفى حديثه اضطراب " انتهى. "الجرح والتعديل" (8 / 172).
وورد شاهد لها مرسل.
كما في "إتحاف الخيرة المهرة" (6/ 399):
" قَالَ مُسَدَّدٌ: حدثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: اللَّهُمَّ بِكَ أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور ).
هذا إسناد مرسل رواته ثقات، وعبد اللَّه بن سعيد هو ابن أبي هند " انتهى.
الصيغة الرابعة: ( النُّشُورُ) في الصباح، و (الْمَصِيرُ) في المساء، وهي الصيغة المشهورة.
رواها البخاري في "الأدب المفرد" (ص411)، قال: حَدَّثَنَا مُعَلَّى.
وأبو عوانة في "المستخرج" (21/ 33)، قال: حدثنا الزعفراني، حدثنا عفان.
والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص378)، قال: أَخْبرنِي زَكَرِيَّا بن يحي، حَدثنَا عبد الْأَعْلَى.
الثلاثة ( معلى، وعفان، وعبد الأعلى ) يروونه عن: وُهَيْب، قَالَ: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
وقد تابع وهيبا على هذه الصيغة رَوْحُ بن القاسم.
رواها ابن منده في "التوحيد" (ص246)، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (1 / 85): عن أُمَيَّة بْن بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ. وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
وتابعه على الشطر الأول عبدُ العزيز بن أبي حازم.
وهي عند ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص41)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِذَا أَصْبَحْتُمْ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا ، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ).
ورواها ابن ماجه من نفس الطريق، ولم يرد في الصباح لا لفظ النشور ولا المصير.
فروى ابن ماجه (3868)، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا أَصْبَحْتُمْ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِذَا أَمْسَيْتُمْ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
لكن يعقوب متكلم فيه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" يعقوب بن حميد بن كاسب المدني: قال يحيى، والنسائي: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال غيره: ليس بحجة. قلت: روى عنه البخاري في صحيحه، فقال: يعقوب ولم ينسبه وقواه " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2/ 758).
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وأما الترمذي وابن ماجه: فأخرجاه من وجهين آخرين عن سهيل، ووقع عندهما بصيغة الأمر: ( إذا أصبح أحدكم فليقل)، وفي سند كل منهما مقال " انتهى. "نتائج الأفكار" (2 / 350).
وورد شطر الصباح أيضا بصيغة (النُّشُورُ)، من رواية إبراهيم بن الحجاج السامي، وعلي بن عثمان اللاحقي، وأبي نصر التمار: ثلاثتهم عن حماد.
ورواية إبراهيم: رواها النسائي في "السنن الكبرى" (9 / 8) ، وفي "عمل اليوم والليلة" (ص138)، قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: اللهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ).
ورواية علي بن عثمان اللاحقي، وأبي نصر التمار: رواها الطبراني في "الدعاء" (ص112)، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللَّاحِقِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْحَدَّادُ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْتُ وَبِكَ أَمْسَيْتُ، وَبِكَ أَحْيَا وَبِكَ أَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ ).
ثم لهذه الصيغة المشهورة: شاهد من حديث علي رضي الله عنه.
رواه البزار في "المسند" (2/ 322)، والطبراني في "الدعاء" (ص112): عن أَحْمَد بْن عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيّ، حدثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه: ( عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أُصْبِحُ، وَبِكَ أُمْسِي، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَيَقُولُ حِينَ يُمْسِي مِثْلَ ذَلِكَ. وَيَقُولُ فِي آخِرِهَا: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
إلّا أنّ في إسناده محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، وقد ضُعّف لكن هو ممن يعتبر بحديثه في الشواهد، وقريب من حاله حجية بن عدي.
ويشهد له أيضا مرسل محمد بن المنكدر، عند ابن أبي شيبة في "المصنف" (16/ 154 تحقيق الشثري)، قال:
حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: حُدِّثْتُ: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ: بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
وبهذا يتبين أن رواية المعلى وعفان وعبد الأعلى بصيغة: ( النُّشُورُ) في الصباح، و (الْمَصِيرُ) في المساء: هي الراجحة من حديث وهيب، خاصة وأنها من رواية الثقة الثبت عفان، ولمتابعة روح بن القاسم وعبد العزيز بن أبي حازم لوهيب عن سهيل، ولمتابعة إبراهيم بن الحجاج السامي، وعلي بن عثمان اللاحقي، وأبي نصر التمار عن حماد عن سهيل، ويشهد لها حديث علي رضي الله عنه، ومرسل محمد ابن المنكدر.
ثانيا:
يترجح أيضا أن صيغة ( النُّشُورُ) في الصباح، و (الْمَصِيرُ) في المساء، هي الأولى من حيث المعنى والسياق.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فرواية أبي داود فيها (النُّشُورُ) في المساء والصباح.
ورواية الترمذي فيها (النُّشُورُ) في المساء و (الْمَصِيرُ) في الصباح.
ورواية ابن حبان فيها (النُّشُورُ) في الصباح و (الْمَصِيرُ) في المساء، وهي أولى الروايات أن تكون محفوظة، لأن الصباح والانتباه من النوم: بمنزلة النشور، وهو الحياة بعد الموت، والمساء والصيرورة إلى النوم: بمنزلة الموت والمصير إلى الله. ولهذا جعل سبحانه النومَ والانتباهَ بعده دليلًا على البعث والنشور، لأن النوم أخو الموت، والانتباه نشور وحياة ...
ويدل عليه أيضا ما رواه البخاري في "صحيحه" عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ قال: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) " انتهى. "تهذيب سنن أبي داود" (3 / 398).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ( وَإِلَيْكَ النُّشُورُ )، يعني: نشور الخلائق يوم القيامة، ننشر إلى لله ونحشر إلى الله عز وجل، وذكر النشور هنا مناسب؛ وذلك لأن الإنسان إذا أصبح فقد بعث من موت، قال الله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ).
فكان ذكر النشور هنا مناسبا تماما، وإذا أمسى مثل ذلك إلا أنه يقول: "بك أمسينا … الخ".
(الْمَصِيرُ): المرجع؛ لأن آخر النهار كآخر الدنيا، الإنسان يكون مقبلا على موت النوم، أو على وفاة النوم على الأصح، وهذا يشبه مصير الإنسان إلى ربه تعالى عند موته " انتهى. "فتح ذي الجلال والإكرام" (6 / 503).
الخلاصة:
هذا الذكر رواه سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه عن سهيل عبد الله بن جعفر بصيغة: (الْمَصِيرُ) في الصباح، و (النُّشُورُ) في المساء، وهو عند الترمذي، لكن عبد الله بن جعفر ضعيف.
وورد الحديث من طرق عن حماد عن سهيل: لكن اختلفت الرواية عن حماد في صيغة هذا الذكر واضطربت.
ورواه وهيب بن خالد عن سهيل: بلفظ ( النُّشُورُ) في الصباح، و (الْمَصِيرُ) في المساء، وهي الصيغة الراجحة؛ لأنها الراجحة من حديث وهيب، ولما لها من متابعات و شواهد، ولأنها هي الأولى من حيث المعنى.
والله أعلم.